❗️sadawilaya❗
بقلم علي خيرالله شريف
هناك انزلاق لبناني تدريجي نحو خدعة التطبيع، وقد تُفضي الخدعة إلى إعلان اتفاق مشابه لاتفاق 17 أيار المشؤوم، بضغط أميركي خليجي مصري فرنسي، وفاتيكاني من جانب البابا شخصياً. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن بعض وسائل الإعلام، حتى الوطنية منها، أساءت تفسير دعوة قداسة البابا إلى المحادثات والتفاوض والسلام؛ فهو يقصد التفاوض مع العدو وليس بين فرقاء الداخل اللبناني(لأن وضع الداخل اللبناني المشرذم والمحتقن يخدم الغاية التي هو ملتزم بها). فبعد إعلان رئيس الجمهورية أكثر من مرة استعداده من طرفٍ واحد للتفاوض مع العدو، واستكمالاً للدور المطيع لأميركا والمؤاتي للتفاوض الذي يؤديه رئيس الحكومة نواف سلام، تم تعيين السفير اللبناني السابق في واشنطن سيمون كرم(عضو لقاء قرنة شهوان السابقة، والمعروف بعدائه للم-قا-ومة)، رئيساً للفريق اللبناني المشارك فيما يسمى الميكانيزم. وهذا يذكرنا بتعيين أنطوان فَتَّال رئيساً للوفد اللبناني في المفاوضات التي أنتجت اتفاق الذل في 17 أيار عام 1983 في عهد أمين الجميل.
أي تفاوض هذا الذي يدعو إليه رئيس الجمهورية من الموقع الضعيف الذي هو فيه حالياً، بلا قوة ولا تأثير ولا أوراق تفاوضية. وأي علاقاتٍ يسعى إليها المسؤولون اللبنانيون مع العدو في ظل ضياع ثروات لبنان بين المماطلة والتسويف والتراخي والبيع والتفريط. أكثر من 2600 كلم مربع بحري(أي ربع مساحة لبنان تقريباً) ضاعت بالانصياع إلى الخط 23 بدل الخط 29 في أول ترسيم بحري. والغاز في بئر كاريش ضاع بمماطلة وخداع شركة توتال الفرنسية التي تمتلك إسرائيل أكبر حصة فيها، وبضغط الأميركيين والخليجيين، وباستهتار الحكومات اللبنانية.
أما صفقة ترسيم الحدود البحرية التي عقدتها حكومة الرئيس نواف سلام مع قبرص ووقعها رئيس الجمهورية وفرح بها ونشر صوره مع الرئيس القبرصي، فقد تخلَّى لبنان فيها عن آلاف الكيلومترات المربعة من أملاكه البحرية لصالح قبرص(في نكسةٍ تفاوضية جديدة) حسب ما أكده الخبراء واستندوا فيه إلى العديد من الدراسات ومن القوانين الدولية المتعلقة بأصول ترسيم الحدود البحرية بين الدول.
إن لبنان اليوم يعيش مرحلة خطيرة جداً على كل المستويات. فعلى المستوى التفاوضي، وبعد أن تخلت حكوماتنا(من أيام السنيورة والميقاتي إلى أيام نواف سلام) عن هذه المساحات الشاسعة من الأملاك البحرية والثروات، هناك إقدام على المزيد من التفريط بحقوق الشعب اللبناني(النائم في سباتٍ عميق)، وهناك احتمال كبير أن يتم التخلي عن جزء من مياه لبنان ومن أراضيه ومن سيادته على ما سيتبقى من أرضه. وعلى المستوى الأمني، فإن حرب الاغتيالات الممنهجة، والتدمير والخطف واستباحة الأرض والجو والبحر، ستستمر. وفي حال وصل العدو إلى قناعة بضرورة شن حرب واسعة علينا مشابهة لحربه على غزة وكانت إمكانياته البشرية وجبهته الداخلية تسمحان له وتضمنان له الانتصار الساحق، لن يتأخر عن فعلها. والجدير ذكره أن أهم داعميه في جميع أشكال عدوانه، ليست فقط الولايات المتحدة الأميركية وأنظمة الدول الغربية، بل هي الدول العربية أيضاً. لا يجب إن نختبئ خلف أصابعنا، فالدول الخليجية، التي يرتمي المسؤولون في أحضانهم، تمول حروبه علينا وعلى غيرنا من الدول المستهدفة المعروفة.
هذا العدوان المستمر بأشكاله المختلفة يترافق مع ازدياد وتيرة الشتم والاتهامات الكاذبة لح. الله من قبل جهات لبنانية وإقليمية ودولية فيما يُشبِه المؤازرة للهجمة على لبنان والحزب. ومع أن كل الاتهامات التي يوجهونها منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري لغاية اليوم، هي اتهاماتٌ كاذبة، بشهادة التحقيقات والمحكمة الدولية وكل المتحدثين والدبلوماسيين والكتاب السياسيين والمؤرخين الغربيين، نجد قطعان البروباغندا اللبنانية تصر على كذبها ونفاقها بكلِّ عهرٍ وفجور. تساندها في ذلك كل امبراطوريات الإعلام الغربي وأبواق الأنظمة العربية الوظيفية.
إن ما يجري من تراجع وخضوع على المستوى الرسمي، يجعلنا نتيَقَّن أن عهد الرئيس جوزاف عون أسوأ من عهد الرئيس أمين الجميِّل فيما يتعلق بالتفاوض مع العدو وبالتنازلات التي يقدمها له وحتى للجارة قبرص. ويجعلنا نخاف على ثروات الشعب اللبناني وعلى مستقبل وجود لبنان ككل. لقد أضحينا على يقين أن الحكومة اللبنانية الحالية ليست حكومة إنقاذ وإصلاح كما يدعي رئيسها، بل هي أضعف وأخطر من كل الحكومات التي تعاقبت منذ تأسيس لبنان لغاية اليوم، وتشكل خطراً على وجود لبنان. وبالتالي إن الشعب اللبناني هو بأمس الحاجة إلى وجود مقاومة أكثر شراسة وثباتاً من أي يومٍ مضى، وبحاجة ماسة إلى إسقاط حكومة نواف سلام قبل فوات الأوان.
لقد انتصرت المق-او-مة في بداياتها بالزيت المغلي والمولوتوف في الجنوب وكانت بأضعف حالاتها، فكيف بها اليوم وهي أقوى بمئات المرات من تاريخ انطلاقتها. لذا قبل أن يُبرِم مجلس النواب اتفاقية التفريط بآلاف الكيلومترات البحرية وبعشرات مليارات من الثروات، وقبل أن ينزلق لبنان نحو هاوية التطبيع والاستسلام، على اللبنانيين أن يعرفوا كيف ينقذوا أنفسهم وبلدهم.
مساء الخميس 4 كانون الأول 2025