أول من أمس، أضيء مقام النبي شمعون الصفا الواقع فوق أعلى تلال شمع (قضاء صور – جنوبي لبنان). قبل حلول الذكرى الأولى لاحتلالها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، فإن البلدة الواقعة على بُعد أقل من سبعة كيلومترات من الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، سابقت الزمن لتنتصب مجدداً وتبث فيها الحياة. أهلها لم ينتظروا إذن المجتمع الدولي بإعادة الإعمار. رفعوا الركام وأعادوا صيانة أو تجديد ما دمره وخرّبه العدو، بتبرعات محلية.
لم تكن مصادفة، تزامن إنارة مقام شمع بحلول منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري. في مثل هذا التاريخ قبل عام، كان المقام والقلعة يشهدان مواجهات بين المقاومين وجنود الاحتلال. تصدي المقاومين لمحاولة العدو السيطرة على البلدة، وثقتها المحلقات المعادية وكاميرات شهود العيان من مقر الوحدة الإيطالية (ضمن قوات اليونيفيل) المقابلة. أظهرت المشاهد شباناً يتحصنون في جنبات المقام والقلعة ويترصدون تقدم الجنود الإسرائيليين.
يطلق أحدهم رصاصه باتجاه مجموعة فيسقطون أرضاً قبل أن تحضر الطوافة العسكرية لإجلائهم، فيما يتولى مقاومون آخرون ترصد دبابات الميركافا آتية من ناحية مثلث طيرحرفا. كاميرات الوسائل الإعلامية رصدت من استراحة صور، الدبابات وهي تشتعل. أما الإنجاز الأبرز فقد كان قتل عالم الآثار الإسرائيلي زئيف إيرليخ الذي دخل مع الجنود لإجراء بحوث تاريخية مرتبطة بأساطير صهيونية حول المملكة اليهودية. حينها، قالت وسائل إعلام العدو إن إيرليخ «المدني» وصل الى شمع بعد ادعاء الجيش بأنه «طهّر المنطقة وقضى على جميع المقاتلين». لكنّ عدداً منهم نبتوا من تحت الأرض واقتصوا منه.
بعد وقف إطلاق النار الذي وقع بعد نحو عشرة أيام، تبين بأن المقاومين قد استشهدوا جميعاً. بحسب الرسائل التي تركها بعضهم، أقسموا بأنهم لن يسمحوا للعدو بأن يمر في ساحة شمع، إلا على جثثهم. وهكذا كان. عناصر الدفاع المدني الذين سمح لهم بالبحث عن جثامين المقاومين بعد أكثر من شهر على وقف القتال، وجدوا بقاياهم في كل ركن من المقام والقلعة وفي العراء تحت الأشجار وفي الأودية. كثير منهم عثر على أثر لهم وآخرون فُقد أثر أجسادهم وبقيت آثار بطولاتهم.
آثار العدوان على المقام والقلعة
بعد أشهر على مواجهات شمع التي صارت واحدة من أبرز فصول التوغل البري الإسرائيلي على الحدود الجنوبية، كان على أهالي البلدة تحمل مسؤولية ترميم المقام كما فعلوا بعد عدوان تموز عام 2006. تضحيات الشهداء الذين صمدوا لآخر رمق، كانت تثقل عليهم عودتهم، فتوافقوا على أن ترميم المقام سيكون أولى خطوات العودة، حفظاً لذكرى المقاومين الذين صدوا الاحتلال الذي لم يتمكن من شمع ومنازلها ومقامها وقلعتها إلا بعد وقف إطلاق النار.
أعمال الترميم شملت
إعادة إعمار المئذنة
نائب رئيس بلدية شمع حسين سروز قال لنا إن الأهالي والبلدية توافقوا على ترميم المقام من دون القلعة التي توكل مهمتها لوزارة الثقافة ومديرية الآثار. علماً أن وزير الثقافة غسان سلامة زار المقام والقلعة بُعيد تسلّمه منصبه ووعد بتكليف جهات محلية ودولية متخصصة لإجراء دراسات حول الترميم، من دون أن تسجل خطوة عملية منذ ذلك الحين.
مكانة المقام في الذاكرة الجماعية
للأهالي وبطولات المقاومين، حفزت كثيرين للتبرع. كلفت البلدية أحد أعضائها المهندس محمد دياب وابن البلدة المتخصص في التاريخ هشام صفي الدين والناشط ابراهيم صفي الدين للتنسيق مع مدير المواقع الأثرية في الجنوب علي بدوي للإشراف على عملية الترميم.
في تفاصيل الأضرار الناجمة عن العدوان الإسرائيلي، فإنه أتى على ما تبقى من القلعة التي تعرضت لتدمير كبير في عدوان عام 2006. في العدوان الأخير، دمرت الأجزاء الشمالية للقلعة منها القبو التاريخي والبرجين الشمالي والشرقي وأجزاء من السور التاريخي.
إشارة إلى أن القلعة كانت تحتوي على تسعة أبراج، دمر ستة منها خلال عدوان تموز 2006 وصمد ثلاثة فقط. وبعد العدوان الأخير، لا يزال هناك برج واحد مدمر بشكل جزئي.
أما أضرار المقام (مؤلف من أربع غرف وتعلوه أربع قبب)، فقد دمرت الغرفة الرابعة وانهارت قبتها التاريخية، فيما دمرت المئذنة التي كان قد أُعيد بناؤها بعد تدميرها في عدوان 2006.
في العدوان الأخير، دمرت المعصرة التاريخية الملاصقة للمقام، إضافة إلى تدمير غالبية الغرف التاريخية في محيط المقام. ما أفلت من الدمار، لم يفلت من الحريق والتخريب. فقد أشعل جنود الاحتلال الغرف الداخلية للمقام وخربوا القبور الواقعة في باحته. كما قام جنود الاحتلال بعد وقف إطلاق النار، بتفخيخ المنازل المحيطة بالمقام والتلة وتفجيرها.
مراحل الترميم
تركزت الجهود المحلية على حماية المقام وترميمه، وإزالة آثار الحريق وفتح مسارات آمنة للزوار، ثم إزالة الركام والتخلص من الردميات وجمع وفرز الحجارة التاريخية وحفظها في مواقعها الأصلية، إتاحة في المستقبل لإعادة بناء كل مبنى أو جزء من الموقع من حجارته الأصيلة. أما الأحجار التي تحتوي على زخارف وكتابات أو نقش تأريخي، فقد نقلت إلى مخازن المديرية العامة للآثار في صور.
أعمال ترميم المقام شملت إعادة إعمار المئذنة التي انهار جزؤها العلوي بعد جمع غالبية حجارة المئذنة الأصيلة المتناثرة في الجوار لإعادة بنائها من الحجارة التاريخية الأصيلة، بالتنسيق واستشارة مديرية الآثار. كما حصل ترميم إنقاذي عاجل للقباب الثلاث المتبقية منعاً لتفاقم الضرر أو انهيارها، إضافة إلى إعادة بناء جدران الحماية بما يشمل إعادة بناء الجدران التي تعلو السور بهدف تأمين الزوار ومنع السقوط مع تركيب «درابزين حديدي» في إطار «أعمال الترميم الإنشائي الوقائي».