بقلم الخبيرة المالية : الأستاذة رولا ناصرالدين
شهد الاقتصاد العالمي منذ العام 2008 سلسلة من التحولات العميقة التي أعادت رسم ملامحه، بدءًا من الأزمة المالية العالمية، مرورًا بجائحة كورونا، وصولًا إلى الاضطرابات الجيوسياسية الراهنة التي أدخلت العالم في مرحلة من اللايقين الاقتصادي المتعدد الأبعاد.
2008: شرارة الانهيار المالي
الأزمة المالية في 2008 التي انطلقت من الولايات المتحدة بفعل انفجار فقاعة العقارات وفضائح القروض العقارية، لم تكن أزمة محلية، بل عالمية. تهاوت البنوك الكبرى، وانهارت أسواق المال، وتم إنقاذ النظام المالي عبر تدخلات حكومية واسعة. منذ ذلك الحين، بدأ الاقتصاد العالمي رحلة ترميم طويلة، قامت على التيسير الكمي، وخفض معدلات الفائدة إلى مستويات قياسية.
2019-2020: الجائحة تغيّر قواعد اللعبة
لم تكد الأسواق تلتقط أنفاسها حتى اجتاح فيروس كورونا العالم. الجائحة دفعت معظم الدول إلى الإغلاق، وأدخلت الاقتصاد العالمي في حالة شلل. لجأت الحكومات والبنوك المركزية إلى ضخ الأموال بشكل غير مسبوق. ارتفعت الديون العامة، وانكمشت سلاسل التوريد، وبدأ التضخم يطل برأسه.
2022 – 2025: عالم متعدد الأزمات
الحرب الروسية الأوكرانية، التصعيد في الشرق الأوسط، التوتر بين الصين وأميركا، وأزمات المناخ واللجوء... كلها عوامل فاقمت هشاشة الاقتصاد العالمي. التضخم بلغ مستويات قياسية في دول كبرى، وبدأت البنوك المركزية (لا سيما الفيدرالي الأميركي) برفع أسعار الفائدة لاحتوائه، ما زاد الضغط على اقتصادات الدول النامية.
الذهب: ملاذ الأمان يعود إلى الواجهة
منذ 2022، ومع اشتداد الأزمات، عاد الذهب ليتصدر المشهد المالي العالمي. ففي ظل التضخم، وقلق الأسواق، وضعف الثقة بالعملات، يُنظر إلى الذهب كملاذ آمن ومستقر. ارتفع سعر الأونصة من حدود 1,500 دولار عام 2019 إلى أكثر من 4000 دولار حتى يومنا في 2025، مع توقّعات أن يلامس سقف 5000 دولار أو أكثر في حال تصاعد التوترات العالمية.
إلى أين يتجه الاقتصاد العالمي؟
الاقتصاد العالمي يتجه نحو نموذج أكثر تعقيدًا:
- انكماش في الثقة بالأسواق التقليدية.
- تحوّل في مراكز القوى الاقتصادية نحو آسيا.
- تسارع في الابتكار المالي والتكنولوجيا المالية.
- نمو في اقتصاد الطاقة النظيفة والرقمية.
المخاطر:
- ارتفاع الديون السيادية.
- انهيارات مفاجئة في بعض البنوك أو الأسواق.
- توسع الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة.
- تحديات في الأمن الغذائي والطاقوي.
الإيجابيات:
- تطور في الأدوات المالية الذكية.
- تنوّع في مصادر الطاقة.
- زيادة الوعي بأهمية الاقتصاد المستدام.
نصائح مالية للأفراد في هذا الظرف:
1. تنويع مصادر الدخل والاستثمار.
2. الاحتفاظ بجزء من المدخرات بالذهب أو العملات الصعبة.
3. تجنّب الديون الاستهلاكية العالية.
4. الاستثمار في المهارات والمعرفة المالية.
5. الحذر من المضاربات الرقمية العالية الخطورة.
ان المرحلة بين 2008 و2025 كانت مختبراً للتاريخ الاقتصادي الحديث. ومع كل أزمة، أعاد الاقتصاد العالمي تعريف نفسه. لكن من الواضح أن عصر اللايقين مستمر، وعلى الأفراد والدول أن يطوّروا استراتيجياتهم للبقاء والازدهار في هذا الواقع المتغير.