الأخبار: الجمعة 10 تشرين اول 2025
رأى سيغال أن المرحلة الثانية من خطة ترامب، هي سيناريو «خيالي إلى حدّ كبير» وقد لا يتقدّم فعلياً
تفاوتت التحليلات في الصحافة العبرية حيال اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزّة، بين من اعتبره نقطة تحوّل تاريخية أنهت أطول الحروب الإسرائيلية وأكثرها كلفة، ومن رأى فيه خسارة سياسية وأمنية لإسرائيل و«انتصاراً دعائياً» لحركة «حماس». وبينما احتفت بعض المنابر الإعلامية بما وصفته «نصراً دبلوماسياً» يتيح استعادة جميع الرهائن، حذّر محلّلون آخرون من أنّ تل أبيب دخلت وقف إطلاق النار من موقع ضعف بعد فشلها في تحقيق أهدافها العسكرية.
وقالت «القناة الـ12» إن الاتفاق يمثّل «تحوّلاً دراماتيكياً»، مركّزةً على دور الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في رعايته، لافتة إلى أن الأخير وصفه بأنه «مذهل وجيد جداً لإسرائيل»، التي «لا يمكنها أن تحارب العالم» بحسب ترامب. أمّا «القناة الـ14»، فعكست تغطيتها نظرة متشكّكة إزاء الاتفاق، إذ سلّطت الضوء على «سعادة حماس» بالنتائج، وعلى انتقادات اليمين الإسرائيلي الذي يعتبر وقف الحرب تفويتاً لـ«هدف القضاء على حماس». وبرز في القناة تقرير حمل عنوان «في غزة يرسمون صورة النصر؛ قواتنا لم تنسحب بعد من القطاع»، ورد فيه أن «حماس» صوّرت الاتفاق كأنّه انتصار لغزة، بعدما أعلنت الحركة عن «وقف نهائي للحرب».
من جهتها، نشرت صحيفة «هآرتس» تحليلاً يشير إلى أن الضغط الأميركي العلني «عجّل» وقف إطلاق النار، ولكنه ترك، في الوقت نفسه، «أسئلة صعبة» بلا إجابة حول «اليوم التالي» في غزة، لافتة إلى أن الاتفاق «جاء مستعجلاً» تحت ضغط ترامب الساعي لإنجاز قبل موعد جائزة «نوبل للسلام». وأضافت أن الاتفاق لم يحسم قضايا جوهرية، من مثل «مَن سيسيطر على غزة بعد حماس» و«كيف سيتم نزع سلاحها».
وتحدّثت الصحيفة عن «انقسام» داخل الحكومة الإسرائيلية نفسها؛ فرغم توقّع معارضة أحزاب اليمين المتطرّف للصفقة، لن ينسحب هؤلاء من الائتلاف الحكومي «تجنّباً» لإسقاطه، في حين برز ترحيب وزير الخارجية، جدعون ساعر، بالاتفاق واعتباره إياه «إنجازاً كبيراً لإسرائيل»، في ما يعكس «تأييداً» داخل الائتلاف لخطوة إنهاء الحرب واستعادة الأسرى.
وأشار موقع «يديعوت أحرونوت»، بدوره، إلى أن وسائل الإعلام العالمية، وإن رحّبت بالاتفاق، لكنها لم تعلن «نهاية الحرب قطعاً» بسبب «عدم وجود ضمانات للسلام الدائم». وأضاف الموقع أن «تساؤلات عديدة تُطرح حول تطبيق الاتفاق والخطوات التالية التي قد تؤدّي إلى انهيار وقف إطلاق النار، بما في ذلك مطالبة إسرائيل بنزع سلاح حماس، ومسألة مستقبل الحكم في قطاع غزة».
ونُقل عن ديفيد سانجر، المعلّق في صحيفة «نيويورك تايمز»، تحذيراته من أن «الكثير من الأمور قد تسوء في الأيام المقبلة، وهذا ما يحدث غالباً في الشرق الأوسط (...) قد يبدو اتفاق «السلام» الذي أعلنه ترامب على موقع «تروث سوشيال» بمثابة استراحة مؤقّتة أخرى في حرب بدأت مع تأسيس إسرائيل عام 1948، ولم تنتهِ قط».
وفي تقرير بعنوان «حماس تحتفل بالاتفاق: غزة انتصرت، ونتنياهو فشل» سلّط موقع «واينت» الضوء على تصريحات القيادي في «حماس»، محمود مرداوي، الذي وصف الصفقة بأنها «انتصار لغزة» تحقّق بفضل «صمود ووحدة» الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أن الاتفاق لبّى الشروط الأساسية للمقاومة (وقف الهجمات، عودة النازحين، انسحاب الاحتلال، تبادل الأسرى وإدخال المساعدات) وأن ما عجز الجيش الإسرائيلي عن فرضه بالقوة والحصار لم يستطِع تحقيقه على طاولة المفاوضات.
«بعد عودة الرهائن، ستوضع مسألة نزع سلاح قطاع غزة ومصير حركة حماس على المحكّ»
كما نشر مراسل الشؤون الدبلوماسية في «يديعوت أحرونوت»، إيتامار أيخنر، تحليلاً بعنوان «من العناق والتعاطف إلى المقارنات بالنازيين: وصولاً إلى الأزمة السياسية - وهل هناك مخرج؟» استعرض فيه انعكاس الحرب على مكانة إسرائيل الدولية. وقال إن «العالم كما عرفناه قبل السابع من أكتوبر لم يعد كما نعرفه اليوم. فالعداء الذي تشعر به دول عديدة تجاه إسرائيل يعكس مزاج سكانها ورأيهم العام فيها - ولا سيما دول أوروبا الغربية - وليس فقط تصوّرات حكوماتها. ولإعادة صورة إسرائيل إلى ما كانت عليه في نظر العالم قبل اندلاع حرب «السيوف الحديدية»، لا بد من العمل ليس فقط مع الحكومات، بل أيضاً مع الرأي العام».
ورأى أيخنر أنه «بينما ستتمكّن إسرائيل على الصعيد السياسي والدبلوماسي من استعادة مكانتها، سواء من خلال وقف إطلاق النار المتوقّع أو من خلال أفق أو عملية سياسية، فإن المجال الذي ستصعب استعادته هو مكانة إسرائيل في الرأي العام والساحة الدولية. حتى بعد هدوء الاحتجاجات العالمية وتراجع الخطاب المعادي لإسرائيل على الإنترنت، قد تحمل إسرائيل وصمة عار لفترة طويلة»، متسائلاً: «ما الذي يمكن لإسرائيل فعله لتحسين وضعها؟»، ليجيب بأن «المارد المعادي لإسرائيل قد خرج من القمقم، يبدو أن إعادته ستكون صعبة، إن لم تكن مستحيلة».
أمّا في صحيفة «معاريف»، فكتب المعلّق بن كسبيت نقداً لاذعاً للصفقة، مشيراً إلى أنها تتضمّن تعهدات «غير واقعية»، من مثل «تجريد حماس» من سلاحها بواسطة أطراف إقليمية، لافتاً إلى أن هذا الأمر يعتمد على مصر وتركيا وقطر، واصفاً هذه الأخيرة بأنها «أطراف غير موثوقة»، نظراً إلى أن مصر «تنتهك معاهدة السلام مع إسرائيل»، وتركيا تعتبر «حماس» «منظمة شرعية»، وقطر موّلت أنفاق الحركة. ولفت إلى أن نتنياهو «اضطر» في النهاية إلى القبول بوقف لإطلاق النار «حفاظاً على حكومته»، في حين حذّر كتّاب آخرون من أن إطلاق مئات الأسرى الفلسطينيين من شأنه أن «يشجّع حماس وفصائل أخرى على تكرار تكتيك خطف الإسرائيليين مستقبلاً».
وبالانتقال إلى «إسرائيل اليوم»، كتب المحلّل السياسي، عميت سيغال، أن هذه الحرب – رغم تكلفتها الباهظة – ستُذكر كـ«نصر تاريخي لإسرائيل»، مستدركاً بأنه «بعد عودة الرهائن، ستوضع مسألة نزع سلاح قطاع غزة ومصير حركة حماس على المحكّ». ورأى سيغال أن المرحلة الثانية من خطة ترامب، هي سيناريو «خيالي إلى حدّ كبير» وقد لا يتقدّم فعلياً، قائلاً: «إنه لم ينجح أيّ طرف دولي، منذ عهد الانتداب البريطاني وما بعده شمالاً، في إحلال السلام أو نزع سلاح الجماعات المسلّحة بشكل فعلي ومستدام». ولذا، اعتبر أن الاستراتيجية الأفضل ربما تكون «لبننة الوضع، لكن ليس بالمعنى الأصلي في ثمانينيات القرن الماضي حين كانت الميليشيات المسلّحة تملأ الساحة، بل بالمعنى الجديد الذي برز خلال العام الماضي: هدنة نشطة تعمل فيها إسرائيل جوّاً لإزالة التهديدات، وبرّاً عبر الحدود الدولية».
لكنه تساءل: «هل سيسمح ترامب بذلك؟»، مجيباً بأنه «سيغضّ الطرف» على الأرجح عن عمليات إسرائيلية لضمان عدم إعادة تعاظم «حماس». وأضاف أنه «في المناطق التي يسيطر عليها الجيش، يمكن البدء بتطوير آليات «اليوم التالي»، بحيث لا يكون هناك إعمار إلّا مقابل نزع السلاح»، لكنّه اعتبر أن «ذلك مشروط، بطبيعة الحال، بألّا يؤدّي الضغط الدولي الرامي إلى تحسين ظروف المعيشة في غزة إلى تراجع إسرائيل مجدّداً، فتعود لتُدخل البضائع والمواد التي تُستخدم في إعادة التسلّح».