
في العام 1989 تمّ إعدام الرئيس الروماني تشاوشيسكو وزوجته إلينا، رمياً بالرصاص، ليتبين بعد حوالي عقدين من الزمن أن الأميركيين استخدموا مرتزقتهم لقنص متظاهرين رومانيين واتهام تشاوشيسكو بأنه يقتل شعبه.
كانت إذاً لعبة استخباراتية إعلامية، تشوّه حقيقة أحداث وصورة رجل ونظام، وتؤدي إلى قلب حكم، وذلك لأن رأسه أظهر عداء لـ”إسرائيل” ووقف إلى جانب القضية الفلسطينية.
لم يكن الرئيس الروماني هو القاتل إذاً، بل الأميركيين.
وهذا الأسلوب اعتمده الأميركيون بعدها في الكثير من دول العالم إما بالمباشر أو بغير المباشر.
وقد استخدموا جمعية جورج سوروس مثلاً، وهي الجمعية الظل للنظام الإمبريالي، لإنتاج ثورات ملونة تأخذ طابع التحركات الاحتجاجية الشعبية في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، ولاحقاً في ما سمّي بـ”الربيع العربي”.
وبغض النظر عما إذا كانت الأنظمة التي يتم الانقلاب عليها صالحة أم لا، إلا أن السبب الحقيقي وراء إسقاطها هو أنها لم تعد تناسب مصلحة الاميركيين.
فكان دعمٌ لما يسمى بـ”منظمات المجتمع المدني”، وتمويل لمشاريع إعلامية تعبّئ الجمهور بأفكار معينة وتقلب الرأي العام تمهيداً لتحقيق الهدف السياسي الذي يخدم “العم سام”، وليس لتحقيق الحرية والديمقراطية ومصلحة الشعب.
وسوريا لا تبتعد عن هذا السياق، بحيث انزرعت مجموعات في الداخل السوري المستقر لتصوّر نظام الاسد كنظام ديكتاتوري قامع لشعبه، قبل أن يتحول الحراك إلى حرب حقيقية ممولة ومسلحة ومدعومة، أسقطت في نهاية المطاف سوريا وجعلتها في الحضن الاسرائيلي مفككة وعاجزة.
ونصل اليوم بعد 17 تشرين المندرجة في إطار ما سبق أيضاً، إلى الحرب الإدراكية ضد المقاومات، والتي تعتمد على إضعافها عبر تشويه صورتها وتحويلها إلى “إرهاب” في أذهان الجمهور، وعلى تفكيك الهوية الجماعية برسائل مغلوطة لإبعاد الناس عن انتمائهم أو التشكيك فيه، مروراً بإشغال داخل كل بلد يحتضن مقاومة بقضايا هامشية ـ كما فعل نواف سلام في مسألتي “الروشة” و”رسالات” ـ ثم قرصنة الوعي من خلال ما يُبث في الاعلام المحرّض أو المشوِّش أو المشوِّه.
ولذلك، المطلوب اليوم من الجماعات التي تتعرض لمثل هذه الحرب الإدراكية، أن تستثمر أكثر بالإعلام، وتواجه بحرب إدراكية مضادة، لإعادة بناء الوعي الاعلامي، والحفاظ على المعنويات، وترسيخ الرواية الحقيقية للأحداث، والرد بسرعة وذكاء على كل مغالطة أو كذبة أو تضليل، وتدعيم التحالفات الاعلامية، وتجميع النخب والمؤثرين والشعب تحت مظلة جامعة لإعادة صناعة العقول عن “أول وجديد”.
وغير ذلك، سيكون هناك في كل فترة تشاوشيسكو ما، أو أسد ما، أو مقاومة، يسقطون نتيجة لعبة مدروسة ومشغولة في الغرف السوداء.
وعلى فكرة، هناك من هذه الغرف الكثير وعلى مقربة جغرافية منا.
ليس بعيداً من هنا تحاك المؤامرات، وعلينا حياكة إسقاط المؤامرات بصمود وتأنٍّ، وإلا فعلى كل الدنيا السلام