سوريا
عامر علي
الخميس 9 تشرين اول 2025
شنّ الشيباني، من أنقرة، هجوماً غير مباشر على «قسد»، متهماً إيّاها بتعطيل الاتفاقية (أ ف ب)
لا يمكن فصل التصعيد الأخير في حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب، عن مجمل حالة التصعيد والتسخين المستمرة على خطوط التماس، بين فصائل «الجيش الوطني» المدعوم تركياً، والذي يتبع وزارة الدفاع السورية الناشئة من جهة، و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) من جهة أخرى. ويأتي ذلك على وقع التعثّر المستمر في تطبيق اتفاقية العاشر من آذار التي تقضي بدمج «قسد» ضمن هيكلية وزارة الدفاع خلال مهلةٍ لا تتجاوز نهاية العام الجاري.
وبدأت جولة التصعيد الأخيرة، التي اتّخذت أشكالاً متعددة، بفرض حصار على الحيَّين، تبعته محاولة تقدّم محسوبة على أطرافهما، ووجهت بمقاومة شرسة من قِبل القوات الكردية المتمركزة في المنطقة. وترافقت هذه التطوّرات مع ضغوط إعلامية غير مسبوقة، رُوِّج خلالها لجملة من الحُجج لتبرير الهجوم، بدءاً بالتفجير الذي وقع في حديقة طارق بن زياد - والذي قالت وسائل إعلام مقرّبة من السلطات الانتقالية إنه ناجم عن تفجير نفق، في حين نفت مصادر أهلية كردية ذلك -، وليس انتهاءً بظهور الناطق باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، عبر قناة «الإخبارية السورية»، معلناً وجود «فلول» قال إنهم يختبئون داخل الحيَّيْن.
وسبق الضغوط الإعلامية والعسكرية المتزايدة على حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية، ومحاولة السلطات الانتقالية اقتحامهما، لقاءٌ جمع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، وقائد القيادة المركزية الأميركية، براد كوبر، بالقائد العام لـ«قسد» مظلوم عبدي. وجاء هذا اللقاء في سياق الحراك المتواصل الذي يقوده برّاك - الذي يشغل أيضاً منصب السفير الأميركي في تركيا -، في محاولة لتحقيق أي خرق في ملف «الإدارة الذاتية» الكردية، قبيل انتهاء فترة تكليفه مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، وسط تسريبات إعلامية تحدّثت عن إمكانية عدم تجديد مهمته في حال فشله في إحراز أي تقدّم.
كذلك، سبق هذا الهجوم لقاءٌ جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بنظيره التركيّ رجب طيب إردوغان، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الماضي. وخلال اللقاء، كال ترامب المديحَ لإردوغان، واعتبره «الشخص الذي أسقط الأسد»، في تصريح بدا أنه فتح الباب أمام أنقرة لاستطلاع مقدار نفوذها في الملف السوري، خصوصاً في ما يتعلّق بملف «قسد»، باعتبار أن الملفّ الآخر (النفوذ العسكري) يرتبط فعلياً بالصراع مع إسرائيل.
لم تفضِ لقاءات دمشق بين الجانبين إلى أيّ نتائج فعلية أو تفاهمات مكتوبة
في هذا السياق، شهدت خطوط التماس في ريف حلب (دير حافر) وفي محيط سدّ تشرين، تسخيناً واشتباكات استُخدمت خلالها المُسيّرات المُفخّخة، من دون أن يطرأ أيّ تغيير على خريطة السيطرة. ولم تثمر هذه المواجهات نتائج فعلية، ما دفع أنقرة، على ما يبدو، إلى البحث عن نقاط ضغط إضافية، ليبرُز حيّا الشيخ مقصود والأشرفية كموقعين مناسبين لاختبار مدى نفوذها. ويُدلّل على ذلك التدرّج البطيء للأحداث في محيط الحيَّين، وامتناع الفصائل التي فرضت حصاراً عن شنّ هجومٍ واسع دفعة واحدة، واكتفاؤها بمناوشات وضغط متزايد، في انتظار إشارة الاقتحام المباشر، والتي لم تأتِ وسط الحراك العاجل الذي قاده برّاك، وأفضى في البداية إلى وقف لإطلاق النار، أعقبه لقاءٌ جمع عبدي بالرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بحضور وزير الدفاع مرهف أبو قصرة.
وفي غضون ذلك، سارع هذا الأخير إلى الإعلان عن لقائه مع عبدي، وإلى تأكيد التوصّل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، فيما لم تُشر حسابات رئاسة الجمهورية إلى اللقاء، واكتفت وسائل إعلام مقرّبة منها بتسريبات قالت إن اللقاء كان «إيجابياً». على أن إعلان أبو قصرة يأتي، فعلياً، في سياق محاولات الشرع إعادة ترتيب الملف الكردي، عبر التعامل مع عبدي بوصفه «مكافئاً لوزير في الحكومة» لا «ندّاً لرئيس الجمهورية»؛ وهو ما يستبطن اعتبار ملف «قسد» مثيلاً لملفات دمج الفصائل التي تقول وزارة الدفاع إنها تعمل عليها في سياق بناء هيكليتها.
غير أن هذا التوجّه واجه رفضاً من «قسد»، التي كانت قد اقترحت في البداية عقد لقاءاتها مع ممثلي حكومة الشرع في باريس، قبل أن يصرّ الأخير على نقلها إلى دمشق، بهدف تحويلها من مفاوضات سياسية إلى لقاءات تقنية تبحث في آليات دمج «قسد» في السلطة المركزية، والذي يمثل أبرز مواضِع الخلاف بين الطرفين، في ظلّ تمسّك «قسد» ببقاء «الإدارة الذاتية» وسعيها إلى تكريس نموذج حكم لا مركزي في سوريا.
ولم تفضِ لقاءات دمشق بين الجانبين إلى أيّ نتائج فعلية أو تفاهمات مكتوبة، باستثناء الرضوخ للأوامر الأميركية العاجلة بوقف إطلاق النار. وهي أوامر مردُّها إلى سببين: الأول، أن انفجار الملف العسكري في سوريا يُعدّ انتكاسة للمساعي التي يقودها برّاك؛ والثاني، أن من شأن هكذا سيناريو التشويش على مسارٍ توليه واشنطن في الوقت الحالي اهتماماً أكبر، وهو ملف قطاع غزة.
وإلى جانب ذلك، أعادت التسريبات التي تلت الاجتماع، طرح العبارات ذاتها التي سُمعَت في لقاءات سابقة، من بينها الحديث عن تعديل مرتقب في الإعلان الدستوري بما يعبّر عن «دور المكوّن الكردي»، بالإضافة إلى استمرار النقاش التقني حول اتفاقية العاشر من آذار، الأمر الذي يبدو أنه لم يعجب أنقرة التي سارعت إلى استدعاء وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية، أسعد الشيباني، لعقد لقاءٍ مع نظيره التركي حاقان فيدان.
وخلال اللقاء، شنّ الشيباني هجوماً غير مباشر على «قسد»، متهماً إيّاها بتعطيل الاتفاقية، فيما وجّه فيدان تهديدات صريحة إلى القوات الكردية، قائلاً إن «الوقت قد حان» لإخراجها من المعادلة السورية، وإلزام «قسد»» بتنفيذ اتفاق العاشر من آذار». ويفتح هذا التصعيد الباب أمام احتمالات عديدة، جميعها مرتبطة بالموقف الأميركي من ملفّ «قسد»، وبالهامش الذي قد تتيحه واشنطن لأنقرة في التعامل مع هذا الملف.