
وتوضح المصادر أن وظيفة المجالس التحكيمية أقرب إلى دور «قاضي صلح تحكيمي» يبتّ في الخلافات بين إدارات المدارس والأهالي، لا «قاضي جزاء» يكشف التزوير والتلاعب في الموازنات. بمعنى آخر، «قد تتحوّل هذه المجالس إلى مقبرة للموازنات المخالفة، لأن أي خلاف على أي موازنة يحوّل إليها أولاً، وبما أنه معروف عن إدارات المدارس المماطلة والتسويف في معالجة الملفات، فقد تكون هذه محاولة لكفّ يد قضاء العجلة وإقفال الباب أمام تدخل أي سلطة قضائية، بذريعة أن المجلس التحكيمي هو الجهة المختصة بالنزاع. والنتيجة أن الموازنة المخالفة، مهما بلغت مخالفتها، لا تواجه إلا غرامة رمزية يدفعها مدير المدرسة».
أضف إلى ذلك أنها تُغلق أيضاً الباب أمام تدخّل أي جهاز أمني للتحقيق في شبهات الفساد والتلاعب بالموازنات التي تُدفن في أدراج المجلس، في ظلّ تصاعد الحديث عن تواطؤ واضح بين شبكات الفساد داخل الوزارة وأصحاب المدارس وبعض رؤساء لجان الأهل، ما يحوّل المجالس التحكيمية إلى غطاء قانوني للانتهاكات.
وتظهر التجارب السابقة، ولا سيّما في جبل لبنان حيث كان المجلس التحكيمي ناشطاً، أن هذه المجالس لم تتّخذ يوماً قراراً يتعلّق بملف الأقساط أو حكماً حاسماً في شأن الموازنات المدرسية المخالفة. ففي أيار 2018، أحال وزير التربية آنذاك، مروان حمادة، نحو 65 مدرسة خاصة إلى المجلس التحكيمي التربوي، على خلفية رفع أقساطها بطريقة لا تتوافق مع القوانين، سواء لعدم اتباعها الأصول القانونية في إعداد الموازنات المدققة، أو لعدم احترامها الشروط التوثيقية المطلوبة، مثل الفواتير والمستندات الداعمة، أو لتجاهلها الحصول على موافقة لجان الأهل.
محاولة لكفّ يد قضاء العجلة وإقفال الباب أمام تدخّل أي سلطة قضائية
وتشير المعلومات إلى أن «تفويضات خطية» صادرة عن مصلحة التعليم الخاص، كانت تتيح لبعض المدارس فرض زيادات على الأقساط بصورة استثنائية، ما شكّل غطاءً قانونياً للتجاوزات. في تلك المدة، شعر عدد من الأهالي بشيء من الارتياح، ظنّاً منهم أن إحالة المدارس المخالفة تمثّل خطوة إصلاحية، لكنّ الواقع أثبت أن الإجراء لم يؤدِّ إلى صدور أي قرارات حاسمة بإلغاء أو خفض الأقساط.
يرأس المجلس التحكيمي قاضٍ، ويضمّ في عضويته ممثلاً عن وزارة التربية (غالباً ما يكون رئيس مصلحة التعليم الخاص رغم أن القانون لا يشترط ذلك)، وممثلاً عن لجان الأهل وآخر عن إدارات المدارس الخاصة، ما يجعله هيئة ثلاثية يفترض أن توازن بين مصالح الأطراف المختلفة. غير أن الواقع العملي يُظهر أن المجلس لا يتدخّل إلا في حالتين: الأولى، عندما تقرّر مصلحة التعليم الخاص إحالة موازنة إحدى المدارس إلى المجلس التحكيمي، وهنا يبقى احتمال التواطؤ بين المصلحة وبعض إدارات المدارس قائماً؛ والثانية، عندما تعترض لجنة الأهل رسمياً على الموازنة أو على قيمة القسط، فيُرفع النزاع إلى المجلس للتحكيم فيه.
عندها، يُعيَّن خبير محاسبة لدراسة الملف، لكنّ القانون 515 لا يتيح له صلاحية التدقيق في الموازنات التقديرية، كما لا يمنحه القدرة على فحص البنود المتعلقة بالمصاريف التشغيلية التي تميل المدارس عادة إلى تضخيم أرقامها. لذلك، فإن المطالبة بقطع حساب فعلي وشفاف تستدعي تعديل القانون نفسه، الذي يُعدّ في جوهره عقداً اجتماعياً بين الأهل والمدارس، ترعاه وزارة التربية التي تبقى صلاحياتها محدودة جداً في التدخل والمحاسبة.
بالعودة إلى التشكيلة الجديدة للمجالس التحكيمية، فقد أكد كلٌّ من ممثلي أصحاب المدارس ولجان الأهل بأنهم لم يُستشاروا مطلقاً في إعداد التركيبة التي وضعتها وزارة التربية. وقال الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، يوسف نصر، لـ«الأخبار» إنّه «غير مطّلع على أيّ تفصيل يتعلّق بتشكيل المجالس أو باختيار الأسماء، وما يهمّنا أن تراعي التشكيلة الأصول القانونية وتضمن تمثيل جميع الأطراف، لا سيّما في ظل وجود عدد كبير من النزاعات العالقة في مختلف المناطق».
في المقابل، نقلت مصادر نيابية عن وزيرة التربية أنّ تسمية ممثلي الأهل والمدارس هي من صلاحية الوزارة حصراً. وأوضحت كرامي لـ «الأخبار» أنّ تشكيلة المجالس التحكيمية موجودة حالياً لدى وزير المال بانتظار التوقيع، مؤكدةً أنّ القانون ينصّ على أنّ الجهتين المخوّلتين تسمية الأعضاء هما وزيرا التربية والعدل.
ومع ذلك، تبقى الأسئلة معلّقة: ما هي المعايير التي اعتُمدت لتشكيل هذه المجالس؟ ومن هم الأعضاء الذين تمّ اختيارهم؟ وهل يتمتّعون فعلاً بالكفاءة والخبرة المطلوبتين؟
أسئلة ستجيب عنها الأيام المقبلة، التي يُنتظر أن تكشف أسماء الأعضاء وتوضح حقيقة ما يُحكى في الكواليس عن «صفقة» تُحاك في الخفاء، ومن يقف وراءها ومن سيستفيد منها.