في المرحلة الحاسمة.. المحاذير
الباحث السياسي د. بلال اللقيس
في المرحلة الحاسمة ؛ المحاذير والمسؤوليات سعت سلطة الهيمنة الدولية بإدارة اميركا لانجاز طور توسعي جديد للكيان الصهيوني، تجدد العمل بالمخطط بذريعة طوفان الاقصى.
اميركا ترى نفسها معنية بضمان تمدد الكيان وتوسعه وليس ضمان امن حدوده فقط كما في الماضي، تريده على كامل فلسطين وبمدى حيوي آمن على حساب دول الجوار وبمنأى عن اي تهديد تشكله جبهة المقاومة، فالمنطقة كانت وستبقى محل استقطاب لاميركا رغم كل دعاويها بالتوجه شرقا، فلا معنى للتوجه شرقا دون “الشرق الاوسط”. رغم كل المخطط المعد مسبقا يبدو انه يسير ببطء شديد ويعاني من تعثر حقيقي، والكيان في تحدي السباق مع الوقت.
لذلك فان السنوات القليلة المقبلة مفصلية في تاريخ إسرائيل ووجودية بحق ، فالحضانة الغربية بل حتى الأمريكية مهددة ان تتداعى مع التحولات الشعبية الجارية ومخاطر انتقالها من مزاج إلى موقف سياسي، ومخاوف تراجع مكانة اميركا لا سيما في تراجع قدرتها على الاستجابة الحضارية والسياسية إلى الادنى في تاريخها ، اما مشكلاتهما – اميركا وإسرائيل- الداخلية وتناقضاتها فقد صارت من النوع الذي لا يمكن تجاوزه دون بلوغ انجاز كبير يعيد اللحمة والتماسك للواقع المتشظي، والقلق من رحيل شخصية كترامب في اميركا الذي ينظر له انه اشبه بفرصة لا تعوض لإسرائيل.
وما يزيد قلقهما ان العالم الجديد الصاعد امام أعينهما تراه يتيح ادوارا ومصادر قوة سياسية وعسكرية واستراتيجية لخصومهما باضطراد، وقوى المقاومة تثبت انها متجذرة وسريعة الترميم والتكيف واستعادة المبادرة وتتقدم بمنطقها مستندة إلى مشروعية اخلاقية وشعبية متنامية وقد يصعب إخضاعها بعامل الوقت الذي تتقن المقاومة لعبته . كل هذه المعطيات تحضر بقوة عند صانع القرار الإسرائيلي ومن خلفه الأمريكي وتحاصر استراتيجيتهم وإمكانية تعثرها بل وفشلها .
واذا أضفنا طبيعة الشخصيتين المتشابهتين سلوكا ونرجسية وخوفا على مستقبلهما الشخصي واتكائهما على العصبية الأيديولوجية القومية الدينية وجنوحهم لمنطق القوة وافتقارهم لاي منطق آخر فالمخاطر ستكون لان القلق يأخذ صاحبه إلى التهور عادة واللاعقلانية . ان المعطيات الانفة تشكل ارضية لفهم ما يحدث او سيحدث في السنوات القليلة المقبلة (بين العام وثلاثة أعوام) لان الثنائي نتانياهو ترامب يفترضان حاجتهما لانجاز كل الاهداف المقرة مسبقا وتحويلها لوقائع ثابتة، واي فشل في هذه المرحلة الحاسمة سيؤدي إلى كارثة كبرى على تجربتيها بما يمثلان ومستقبلها السياسي ومستقبل كيانهما. كلاهما يحتاج إلى نجاح بيّن واضح وسريع وحاسم او نصر مطلق بحسب تعبيرات نتانياهو، اذ انه حتى اللحظة ورغم ما راكمه الكيان من إنجازات معتد بها لكن لا زال الشوط يعتريه الكثير من الصعوبات والتحديات لبلوغ أهدافه.
هو يحتاج ليحسم معركته بالتوازي في فلسطين ولبنان واليمن وايران والعراق وربما اوسع لان الجبهات صارت متوالجة والردع تحول ليصير عابرا وشاملا . فهل هو قادر على ذلك فعلا !! وهل نجاحاته الجزئية في غزة او في لبنان بعد عامين كفيلة له بتحقيق نصر على ايران والجبهات الأخرى حتى مع دعم أمريكي !.
وهل من عجز عن اسقاط ايران في لحظتين عالميتين غير مسبوقتين بداية التسعينات وبداية الألفية الثالثة ثم في الجولة الاخيرة من هذا العام ، هل سينجح في هذا الدور مستقبلا مع فقدانه لعامل المباغتة وصنوف العزلة الدولية التي يواجهها ومع تقارب موضوعي بين ايران والصين وروسيا ومستتبعاته السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية ومع تمايز نسبي لدول طالما كانت حليفة مطلقة متماهية مع سياسات اميركا ومع تحولات شعبية متسارعة عالميا ومع اميركا تعيش اشبه بحرب داخلية كما ورد على لسان دونالد ترامب ( خلال لقائه الضباط الذين تمً استعلاءهم إلى فرجينيا خلال الشهر المنصرم ) ومع التجرؤ المتزايد الذي صارت تبديه دول بمواجهة اميركا ( كان آخرهم دول اميركا اللاتينية .. )، ومع مقاومات صارت اكثر استعداداً ومراسا وشعوب صارت اكثر قناعة بان اميركا تتراجع وان تراجعها مسار بيّن ومع تباين يتسع كل يوم مع تصاعد التوتر في اوروبا الشرقية بين دول الناتو الأوروبية منها والانكلوسكسونية لجهة رؤاهم ومصالحهم وتوقعاتهم من العالم الجديد وموقعهم فيه ( لا يوجد رؤية متطابقة بينهم حول الاولويات والعداوات والمصالح الاستراتيجية).
كل ذلك يؤكد ان الأعوام القليلة جدا القادمة هي أعوام فاصلة في تاريخ المنطقة والعالم وسيكون لها الدور الحاسم في تحديد المستقبل وطبيعة النظام العالمي برمته ، فالوقت قد يفضي إلى ولادة اتجاهات دولية وعالمية معاكسة لمساعي الهيمنة الأمريكية واستراتيجياتها لذلك هم في تحد مع الوقت فإنه ينفد ! . يبقى ان نسأل انفسنا، كيف تتصرف إمبراطوريات في لحظة شعورها بتهديد مكانتها ، كيف ستتصرف اميركا في لحظة بات المناهضين لها يرفضون الإملاءات وجاهزون للتحدي، في هذه اللحظات الحاسمة لم يحدثنا التاريخ ولم تعودّنا الإمبراطوريات التسليم للواقع الجديد والاعتراف به بل دوما ما كانت تتحدى مسار التاريخ وتصحيحاته وحركته باستخدام القوة فالمزيد منها لتستعيد هيمنتها الاولى ، لم نسمع ان اي منها تكيف مع التغيرات وقبل بالآخرين بالمفاوضة والحوار . وعليه فان منسوب المخاطر عالي جدا في السنوات القليلة المقبلة والفرص المكتنزة فعلية وكبرى ، فما هو المطلوب؟
المطلوب مزيد من الصمود والتماسك والوحدة ، المطلوب مخاطبة الشعوب على امتداد العالم والايمان بوحدة القضية الإنسانية معهم ، المطلوب استحضار خطاب العدالة والمساواة والكرامة في قبالة خطاب القوة التي صار الإنسان في خدمتها بدل ان تكون هي في خدمته وصارت الاله المقدس الذي يقهر ولا يُقهر . المطلوب الانفتاح السياسي والاجتماعي والفكري ومد الجسور وطمأنة بعضنا بعضا والابتعاد عن خطاب التوتير واثارة القلق والمطلوب حفظ الروح المقاومة كأصل ومرتكز ومقوم والاستمرار بالمنهج الاستنهاضي وتجديد الثقة . اننا في مرحلة تكتنزها فرص كبرى إذا احسنا ادارتها رغم مهول التهديدات والمخاطر، وان الدماء التي ارتقت ولا تزال والاستقامة عليها تراها تخلق فرصا فعلية لعالم جديد وليس بنا إلا ان نكمل بعزم واستقامة وثقة وأمل!!
كاتب لبناني
ان ما ينشر من اخبار ومقالات لا تعبر عن راي الموقع انما عن رأي كاتبها