كلمة اختصرتها الساحة الصفراء من بيئتها الحاضنة إلى قيادتها ومؤسساتها وأفرادها، لواقع عاشته وتعيشه اليوم، عبر الارتقاء بهذا الخط والخروج من بعد الزلازل الذي لحق بها وببيئتها في غير صعيد، ومع خسارات ما تركت مجالاً فيها دون أن تتناوله، قتلاً ودماراً وأذية في غير جهة، لتعود خطة التعافي التي ابتدأت مع نهاية العدوان الذي استمر لشهرين ونيف، ولا تزال، وتحقق نقلة في عدة نواحي واتجاهات، شهدت بعضاً منها الساحة اللبنانية بشكل عام، وبعض آخر لا يزال طي انتظار لحظة ربما لم تعد بالبعيدة، لتعيد ثقلاً ظنه حليف كان حتى الأمس القريب، أو عدو تربص لسحق الجميع، من أن هذه الكتلة وما تحويه من قدرات بشرية ومادية، باتت في طيات النهاية، وانتهت فعاليتها، ليكون بعدها يوم اخر، لهذا العدو، أو لمن كان صديق شهد النهاية، ويشهد الاندثار، لكن الحقيقة التي تفرح الذين صدقوا وصمدوا وتؤرق من تخلف وبات في غير خارطة كما العدو الذي اعتبر أن نهاية هؤلاء القوم أتت وأنْ لا مجال لإعادتهم إلى الحياة، قد تبخرت احلام الحاقدين، في مقابل تجدد آمال المحبين، الذين ربما يشهدون أحداثاً في غير جبهة تدهشهم فرحاً كما ستدهش الاخرين، لهول ما سيرونه ولعمىً لحق خياراتهم، داخلية كانت أم استراتيجية خارجية، فما هي حقيقة هذه الجماعة، بعد مرور حوالي العام على ما لحق بها، وهل تمكن العدوان بكل ما فعله بها وبمساعدة بعض الداخل الرسمي أو غير الرسمي، أن يسحقها، أم أن الوقائع والأحداث الحاصلة والمجريات التي ستأتي، في أي لحظة، أثبتت وستثبت أنهم لا يزالون أقوياء وهم في لحظة،ينتظرون تغييرات معينة، لتأتي معها أفعال ربما هم من يبتدأون بها تعيد المعادلات وموازين القوى، وترسم خطوطاً جديدة في صراع لم تعد نهايته بعيدة، تؤكد هذه النظرية كل الاحداث التي تحصل في كل يوم ؟
رغم ما حملته الايام التي انقضت منذ حوالي السنة وحملت معها زلزالاً لم تكن لتقوى على تحمله دولاً كبرى، حمل معه قتلاً لكثير من قياداته من رأسها نزولاً حتى آخر الصفوف، وتدميراً جزئياً أو كلياً لعشرات الآلاف من وحدات سكنية توزعت بقاعاً وجنوباً وضاحية جنوبية، ومحاولات تجفيف للموارد المالية لهذا التنظيم، عبر منع هبوط الطائرات الإيرانية واضطرارها إلى المرور عبر تركيا أو العراق قبل وصولها إلى بيروت، وتضييق داخلي كبير على هذه البيئة وخارجي، ومحاولة خنقها داخل بقع جغرافية صغيرة ومنع الغير من التعامل أو التعاطي مع هذه البيئة، إضافة إلى تبدلات جوهرية في ساحات كانت حليفة لهذه البيئة تعمل كخطوط دعم تلسيحي ومالي للمقاومة، ومع تخاذل وخنوع وضعف، وعمالة داخلية ظاهرة من قبل بعض الأطراف الداخلية، التي كان بعضها حليفاً حتى الأمس القريب، ومع استباحة متكررة جوية وبرية وبحرية إسرائيلية مستمرة، ورغم كل الضغوط التي تتلقاها هذه البيئة في كل حين وزمان ومكان، ومع كل الأنياب المفترسة التي أحاطت بهذه المقاومة، تخرج اليوم وتمارس مشروع العودة إلى الحياة وزيادة التمكن والتمكين في الاقتدار والقوة، وبداية رسم معادلات جديدة عبر القيام بخطوات منها الظاهر ومنها الخفي، منذ ساعة إعلان توقف العدوان لغاية الان، والخطوات المخفية تكاد تسبق المعلنة بأشواط، أما نتاج هذه الخطوات، فإنه يحتاج لبعض وقت وصبر، وكثير بصيرة وتحمل، لتظهر نتائجه، وتتضح معالمه التي ستبدو وتبدو تباعاً، والتي تكون معها الولادة الجديدة التي اتسمت بطابع الولادة القديمة، وتعود معها الحسابات تتجدد، والاعتبارات تُرد لهذه المقاومة وأهلها .
رغم تكرار الاعتداءات الصهيونية اليومية، ومحاولة رسم صورة يجعلون الجميع يعتاد عليها، تقول أن الساحة اللبنانية، مستباحة دوماً لأي تصرف تراه إسرائيل مناسباً لأمنها، ورغم الكثير من الخروقات التي تقوم بها والعربدة المتكررة منها، ورغم محاولات القول بأنها تقوم بكل ما يمنع إعادة إحياء هذه المقاومة بل وسحقها بكل عناصر القوة لديها، وفي ظل سُبات رسمي لبناني مريب ورهيب، مقصود في معظم الأحيان، ورغم كل الضغوط التي ترافق هذا الحصار الصهيوني، داخلية كانت، عربية أم دولية، ورغم الحصار الداخلي والخارجي الذي يُمارس، ومع رسم سيناريوهات متعددة لما بعد هذه المقاومة، واستدارة كثير من حلفاء الامس الذين بنوا إسمهم وشأنهم وحتى موازاناتهم من خيرات أعطتها المقاومة لهم ومن بعض فُتات اقتاتوا عليه، وصنعوا عبره لأنفسهم كياناً، وباتت توجهاتهم الحالية وتصريحاتهم الجديدة تجري في جداول أرباب نعمتهم المستجدين، ومع كل ضعف تحاول جهات في داخل لبنان أو خارجه، تظهيره أنه حل بهذه المقاومة، ومع كل الحقد الأعمى الذي يرافق كل ما يجري اليوم، فإن المقاومة التي اعتادت العمل بصمت منذ التأسيس الأول عام ١٩٨٢ فإنها لا تزال تمارس هذا الصمت بنجاح منقطع النظير، وتسعى إلى إعادة الإعمار وزيادة الإقتدار في كل النواحي، عبر العمل الذي أتقنته دائماً بصمت، متناسية نباح من اعتادوا النباح، أو نباح الذين امتهنوا تلك الموهبة حديثاً، وتقوم بدورها الذي أخذته وعداً وعهداً ودستور حياة منذ أربع من العقود ويزيد، وتمارس فنون رسم السيناريوهات القادمة بكل إتقان .
يتساءل المتساءلون الكثر، سؤال استفسار أو ربما سؤال جهل واستصغار، كيف تعود هذه القوة وقد باتت المقاومة عاجزة عن إدخال ما قد يعيد لها بعض قوتها أو يؤمن رواتب أفرادها ومصاريفهم واحتياجاتهم، ويرون أن الحاصل هو استهلاك لما تبقى من مدخرات آيلة إلى الانتهاء الوشيك في موازنات ومصاريف، مترافق مع قطع أي إمداد تسليحي قد يحصل، لتكون الخاتمة القريبة، بنهاية هذه القدرات المتوفرة، عبر زوال خطوط امدادها من جهة، والإجهاز من قبل الصهاينة على مخزوناتها الباقية ومستودعاتها من جهة أخرى، فتتكامل الأدوار وتتجانس فيما بينها، في ترقب لحظة القضاء على تلك المقاومة، لحظة يسعون إليها بما أوتوا من وسائل، ويرون قربها الحاصل، في المقلب الآخر، تسير محركات الترميم والتأهيل وإعادة البناء، واضعة عجلات التقدم في أماكنها الصحيحة، بصمت وهدوء تاركة ضجيج العابثين والمقتاتين والحاقدين، دون أن يؤثر على عملها ونتاجها .
قد يظن البعض ممن يقرأون هذه الكلمات، أن سرديتها وتفاصيلها، لا يرتقي لغير أحلام باتت تُصنَف أساطير وتخيلات لم يعد بالإمكان عودتها، فقد انتهت فعائل هذا البطل الوهمي، ودُفنت أفعاله إلى غير رجعة مع أجساد قياداته الأمنية والعسكرية والتنظيمية التي احتضنها التراب، دافناً كل حلم أو أمل بتحرر أو عظيم قوة، تفرض نفسها في المنطقة وفي الاقليم، وما نراه ونسمعه من بعض عُهر لفظي أو عبر خطوات تحجيم داخلي، رسمية كانت أو من آخرين، إلا نتيجة لهذه النظرة وهذه القراءة التي يراها البعض ويعملون وفقها .
في مقابل كل ذلك، فأنا أقولها مطمئناً وعارفاً ببعضٍ قليل من كثير ما يجري في أروقة هذا التنظيم، متشجعاً بالبوح عن بعضٍ قليل مما أعرفه، مُطَمْئِناً كل حريص، ومؤِرقاً كل حقود وخانع، أن هذه القدرات تُرمَم في معظم المجالات، وأن التصنيع يسير بخطى سريعة، مشابهاً لخطوط الإمداد التي ظنوا أنها انقطعت بعد ظهور حكم سوري جديد وبأن تشكيلات وسيناريوهات قيادة وسيطرة جديدة باتت في طور الجهوزية، بل انتهت خطوط بعضها، وبأن سياسات الإدارة تسير بشكل جديد يشبه السيناريو الذي كان حين البدايات، وبأن هيكلية قيادية جديدة رُسمت، بدأت السير وفق المخطط له، وتبدلت هيكلية القيادة التي كانت سائدة بين عامي ٢٠٠٦ لغاية ٢٠٢٤، وباتت القيادة تسير وفق ما هو مرسوم ومخطط له، ولنكتفي بذكر قاله الأمين الشهيد في أواخر خطاباته، أن كل ما سيجري سيكون وفق الدائرة الضيقة، ولن يكون هناك من داعٍ أن يطلع البعض على تفصيلات لا تعنيهم، وأن هذه المقاومة لا تزال تعمل وتبني بصمت وهدوء ولا ضجيج أو بهورات، لتكون الخلاصة التي ستأتي قريباً، أن الخبر ما ترون لا ما تسمعون، ولربما نرى في القريب القادم، تبدلات تكون ربما، عبر تصعيد ابتدائي من قبل المقاومة نحو الصهاينة، من خلال حدث أو أحداث تتجلى في إسقاط بعض الطائرات الحربية عبر بعض أنظمة دفاع جوي لا تزال مجهولة، أو ربما أعمال أمنية خارجية، تتخطى حدود الصراع الدائر بين المقاومة والصهاينة، ويفتح حدود صراعات جديدة، لم تكن في حسابات الصهاينة، أو ربما تحصل احداث داخلية في الداخل الصهيوني تزلزل جبهاته الداخلية المهترئة من خلال أحداث تخرج وقع الأحداث عن سياقها الطبيعي أو ربما فعل أو حدث، يحصل ربما في أي مكان، يترك صدى وتأثيراً كبيراً في ساحات الصراع الدائر، ويعيد خلط أوراق هذا الصراع القائم .
تكهنات عدة تتراءى لكل عارف ومحب لهذه المقاومة، وعارف لبعض خبايا اعتادت عليها منذ نشأتها، أو متوقع لسياق ربما يحدث، يكون مخالفاً لكل التوقعات والاحداث الحاقدة والبغيضة، وتتغير معه كثير من مفاهيم وأمور بات المتابع يعتبرها أمراً مفروغاً منه، معيداً خلط أوراق الصراع، مثبتاً قاعدة ثبتت منذ عقود ويعاد تثبيتها، أن الصراع القائم مع هذا الكيان لن يكون إلا بنهاية الكيان الحتمية وتتأكد المقولة الخالدة" أن الخبر ما ترون لا ما تسمعون" .
إنهم يرونه بعيداً، ونراه قريباً بإذن الله .
حمزة العطار