07.09.2025
ميخائيل عوض
1
أطلقت عملية الطوفان العجائبية بحقيقة أنها من رميات الله، وتلبية" لحاجات الظرف الموضوعي، واستجابة" لمنطق الأزمنة والجغرافية كل كوامن وشياطين الأزمة الوجودية لدولة كيان صنع في زمن ولحاجات انتفت أسبابها ووظائفها. فقد أزف زمن أن يعود الحق القومي لأصحابه، بعد ان اختبرت واستنفذت كل وأي من محاولات تسويته أو تصفيته.
هكذا تجري وقائع وأحداث التاريخ الإنساني منذ الخلق الأول.
2
قد لا يكون السنوار ورفاقه قرروا ما سيكون ،وكيف ستكون نتائج فعلتهم، وما ستجلبه من تطورات وأحداث وتحولات عاصفة.
ليس لهم بالأصل أن يضمنوا المستقبل ومساراته، فللأزمنة والحاجات منطقها والقرار لها.
جاءت نتائجها أعلى بألف مرة مما خططوا وافترضوا لها.
الطوفان بضربة هدمت ما كان قبلها؛ وما افترضه الكثيرون أنه ثابت لا يتغير، فأدرك نتنياهو أنها علامة النهاية وصفارة الإنذار الأخيرة، فاستل من الأدراج خطط كان أعدها لزمن هو يفرضه، إلا أن الزمن فرض عليه، فأدرك وقالها: "حرب وجودية، إذا لم ننتصر فلا مكان لنا في المنطقة."
3
حكمة الأزمنة والأقدار ونواتج الطوفان فرضت نفسها عنوة على محور المقاومة، الذي كان جاهر وقال وزعم، أنه أعد نفسه للجولة الفاصلة وأكمل جاهزيته، وأنذر وحذر وبلغ؟؟ إلا أن الطوفان سبقته. وقررت أن الزمن يعمل على مزاجها هي، لا على توقيته هو. فمزاج أزمنة فلسطين وضعته والجميع على المحك والاختبار المفصلي، فقد أزف موعد التحرير، ومواعيد التاريخ لا تؤجل، وقالت الطوفان للمحور: هات ما عندك أو تقاعد، فالأزمنة ورميات الله لا تنتظرك.
4
ألزمت الطوفان منطقها، فاستجاب نتنياهو بالسرعة الكلية وفعل ما لديه، أما المحور ففضل ينام على حرير وعده وطرائقه في التفكير، وينتظر الفرصة التي دنت وهو في غيبوبة عنها.
كثرت الذرائع والتبريرات، وسيقت التنظيرات، وجلها لتبرير ألا ينخرط بكل ما لديه وبخططه وأسلحته.
تردد كثيرا" وحوسب وربما تضاربت نتائج استخارتها، وطغت على عقله أنه لا يريدها الآن، فهو ينتظر وحسبه أن في الصبر فرج.
أكمل نتنياهو تدمير غزة وعطل قدراتها الهجومية وتفرغ للبنان، ثم فَعَّلَ اختراقاته وصب قوته بأعلى ما تملك من أدوات وقدرات، وبرغم خسائره على الحافة الأمامية وفي غزة، فقد فاجأ ووجه ضربات مؤلمة أفقدت المقاومة اللبنانية الكثير من عناصر قوتها. وبعد وقف النار فَعَّلَ تحالفاته وأدواته ووظفها، فانهار النظام السوري كجبل ملح، فهو الآخر تذرع واتهم وتردد واتكل، فرحل تحت وطأة زمن التغير والتحرير. وكذا تبخرت أذرع المحور في العراق، ووجهت ضربات كاسرة لإيران، التي كانت تنام على حرير أنها عصية وقادرة، وأعدت وأشهرت ما أعدته من مدن وصواريخ وأسلحة، واستعرضتها بحساب أن نتنياهو يرتهب من الاستعراضات، ويهاب من الصبر الاستراتيجي وما ينتظره من الصابرين.
5
لم يقعد المحور لسبب في قدراته أو سلاحه أو رجاله، إنما لأنه تعامل مع الطوفان على غير ما هي عليه وما حققته، وتجاهل عن عمد أو عجز ما كشفته بل وفرضته عنوة وقسرا".
في واقع الحال، لا لوم على ايران والمحور ولا من يحزنون، فقد أدت قسطها ومنذ ثورتها تولت إحياء القضية وحملتها واستحضرتها وتكلفت كثيرآ، ولم تساوم أو تتخلى، على عكس أصحاب الحق والأولى بالتحرير.
والمحور قاتل ببسالة في كل الساحات، وحقق انتصارات، وأعجز أمريكا وحلفها من تحقيق غاياته وفرض قرنها، ولخمسة وأربعين سنة تحملت إيران والكتلة الشيعية في الأمة العبء والاكلاف والتضحيات، وهذه تسجل لها لا عليها. ولولا تضحيات المحور لما كانت الطوفان ولا صارت غزة معجزة القرون وأسطورة المقاومة، ولا توفرت أزمنة الطوفان والتحرير وتصحيح التاريخ لمساراته.
6
لله في خلقه شؤون، وللزمن حقائقه، وللجغرافية أحكامها، فالقضية الفلسطينية هي أولا" سورية شامية، وثم عربية وإسلامية سنية، وعالمية إنسانية.
تقدمت الكتلة الشيعية وملأت فراغ عجز الشام وانسحاب السنية وتخليها، وانشغال الإنسانية عن الحق المغتصب.
جاءت الطوفان في زمنها الفاصل لتقرر أن الحقائق ستفرض نفسها عنوة، فمن ترهل وانشغل وترك بعض حقه القومي سيضطر للعودة اليه، أو سيخسر ما بقي ويخسر نفسه ويتبدد.
تراجعت إيران وتقلص دور وحجم الكتلة الشيعية، فنهضت اليمن وتستمر، وهي الجناح الجنوبي للشام والعربية، وتقاتل غزة وهي بوابة الشام ببسالة، والضفة بما امتلكت. وتؤكد الحقيقة أن الزمن هو زمن عودة الحق القومي، أو تبديد وسقوط أصحابه جمعا" ويؤخذون بالمفرق.
7
نتنياهو ليس أحمقا ولا عنيدا، إنما أدرك أنها آخر الحروب لا مفر؟؟
أعلن حربه وجودية، وأجاد استخدام ما تبقى من عناصر قوة لإسرائيل، واستثمر بنقاط ضعف الآخرين، وقرر: غزة سترحل أو تباد، ولترحيلها لابد من اغتصاب مصر والأردن، وإذلال السعودية والخليج، فقد أذل تركيا وعطل قدرات إيران والشيعة، وبحسبه ليس من قوة أو جهة بعد تقاتله أو تعانده.
8
الحقائق وضعت مصر أمام مفترقها الأخطر: إما تعود إلى مكانتها ومن بوابة غزة أمنها الوطني، فكيف بالشام أمنها القومي منذ الفراعنة، أو تدمر وتتشتت كأخواتها. والأردن لم يعد له حاجة عند نتنياهو، وهو الملاذ البديل المؤقت لفلسطيني الضفة وال٤٨. أما سورية فمسرح لعراضات عضلاته، ودرعا والقنيطرة وغرب دمشق يجب أن تخلى من السكان، فالمياه والأرض الخصبة وجبل الشيخ حقا" لنتنياهو وحقه أبعد، وأعلنه إسرائيل كبرى ويهودية، والشرق الأوسط إسرائيلي.
في حقائق الأزمنة والحاجات التي تستعجل رميات الله كالطوفان، مغيرة في الأحوال وتستدعي كل عفاريت الأزمنة وشياطينها، وتاليا: فرض التحولات عنوة وقسرا:، ستفرض على مصر والأردن والخليج نظما: وشعوبا"، وعلى سورية مبتدأ وخبر الحق القومي، ودون أن تتجاهل لبنان والعراق واليمن وإيران، أن لا محال من القتال وإلا انتفت أزمنتهم جماعة ومتفرقين.
أما أزمنة الأمم والشعوب الراسخة والمقاومة وصاحبة الحق، فلا تتبدد. وما هو جار في وحول فلسطين، الحق القومي مختلف كثيرا" عما جرى في أمريكا الشمالية من إبادة أصحاب الحق.
هنا سيعود أصحاب الحق عنوة" وقسرا" أو طوعا" إلى القتال من أجل استعادته كاملا"، فقد أزف موعده وأيامه جارية.
هكذا هو منطق التاريخ، ومسارته تنحرف ثم يصححها بنفسه.
ليصلكم كل جديد الاشتراك بقناة الأجمل آت على الرابط:
https://youtube.com/channel/UCobZkbbxpvRjeIGXATr2biQ?si=UxBMrxNoHm9kJoCz