
في 12 تموز 2006، شنّت إسرائيل عدواناً واسعاً على لبنان، مستهدفة البنية التحتية ومراكز المقاومة. استمرّ العدوان 33 يوماً، شمل العدوان ضربات جوية وهجوماً برياً محدوداً، مع معارك محتدمة في الجنوب. انتهت المواجهات بإعلان وقف إطلاق النار في 14 آب، وهو اليوم الذي أصبح رمزاً لانتصار المقاومة على العدو بعد تكبّده خسائر فادحة، وما يزال يشكّل علامة في تاريخ صمود لبنان.
في معارك وادي الحجير وبنت جبيل عام 2006، تصدّت المقاومة للهجوم البري الإسرائيلي، وأسقطت أكثر من 45 دبابة «ميركافا»، إضافة إلى عشرات القتلى والجرحى في صفوف جيش العدو.
وأطلقت وسائل الإعلام الإسرائيلية على هذه المواجهات لقب «مجزرة الدبابات»، نتيجة حجم الخسائر التي تكبّدها الجيش، ما شكّل صدمة للقادة العسكريين وأجبرهم على إعادة تقييم إستراتيجياتهم في البر.
وتثبت التجارب العسكرية أن السيطرة على الأرض هي العامل الحاسم في أي مواجهة. فقد أظهرت المقاومة في 2006 قدرتها على صدّ الاجتياح البري الإسرائيلي، وفقاً لمعهد الحرب الحديث في «ويست بوينت» و«راند كوربوريشن»، الذي أشار في دراساته العسكرية إلى أن «الانتصار يتحقق بالتخطيط التكتيكي والشجاعة الميدانية، وليس فقط بالقوة الجوية».
في حرب 2024، تعرضت المقاومة لضربات عدة، منها عملية تفجير البايجر واستهداف قيادات ميدانية بارزة، وصولاً إلى اغتيال الشهيد السيد حسن نصر الله وعضو المجلس السياسي السيد هاشم صفي الدين. ورغم هذه الخسائر، صمدت المقاومة في البر، مانعةً الاحتلال من التقدم.
ومنذ إعلان العدو عن بدء الاجتياح البري لجنوب لبنان، في 30 أيلول 2024، حتى وقف إطلاق النار في 27 تشرين الأول من العام نفسه، أعلنت المقاومة عن تدمير أكثر من 50 دبابة ميركافا، و11 جرافة عسكرية. إضافة إلى مقتل أكثر من 130 جندياً إسرائيلياً في عمليات نوعية.
وفي هذا الإطار، أشادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بصمود المقاومة في المعارك البرية رغم الضربات «القاسية» التي تلقتها، إذ اعتبرت صحيفة «هآرتس» أن «حزب الله أظهر قدرة على المناورة والقتال في التضاريس الصعبة، ما أربك الحسابات العسكرية الإسرائيلية».
كما نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصادر عسكرية إسرائيلية قولها إن «المعارك في الجنوب اللبناني كانت أكثر تعقيداً مما توقّعنا، والمقاومة أظهرت تكتيكاً متقدّماً في مواجهة قواتنا البرية».
بضغط أميركي ــ سعودي، رضخت الحكومة اللبنانية لقرارات خارجية تهدف إلى جر لبنان نحو مسار التطبيع مع العدو الإسرائيلي. إذ أقرت خطة لنزع سلاح المقاومة ضمن خطة مفصّلة سيضعها الجيش اللبناني وفقاً لجدولٍ زمنيٍ يمتد حتى نهاية عام 2025.
في المقابل، اعتبر حزب الله هذا القرار «خطيئة كبرى»، وأعلن أنه سيتعامل معه «كما لو أنه غير موجود»، متمسكاً بحق المقاومة كوسيلة دفاعية عن لبنان.
وفي الوقت نفسه، حرص الحزب على الحفاظ على السلم الأهلي في لبنان، مؤكداً أن تحركاته السياسية ستظل ضمن إطار القانون والدستور، من دون المساس بأمن البلاد واستقرارها. وتأتي هذه الخطوة في وقت حساس، إذ يسعى العدو الإسرائيلي إلى استغلال أي فتنة داخلية لزعزعة استقرار لبنان.
تأسّس حزب الله في منتصف الثمانينيات وسط ظروف صعبة ومعقّدة. بعد اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، أقامت قواتها مع عُرف بـ«المنطقة الأمنية» في الجنوب، ما شكّل تحدياً مباشراً أمام المقاومة الناشئة.
الحزب، الذي كان في طور التأسيس، خاض معارك ضد الجيش الإسرائيلي مستخدماً تكتيكات حرب العصابات والكمائن، ما أدّى إلى تكبيد الاحتلال خسائر كبيرة. ومع انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في 13 تشرين الأول 1990، سُلّمت الأسلحة الحزبية للحكومة، باستثناء سلاح المقاومة الذي استمر في نشاطه لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، مؤكداً قدرة حزب الله على الصمود وتحقيق أهدافه رغم الضغوط السياسية والدولية لفرض قيود على نشاطه.
في 25 أيار 2000، انسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، منهياً احتلالاً استمر نحو 18 عاماً. هذا الانسحاب جاء نتيجةً لضغوط المقاومة اللبنانية، وعلى رأسها حزب الله، الذي خاض معارك مستمرة ضد الاحتلال.
في السنوات التي سبقت الانسحاب، نفّذ حزب الله عمليات نوعية ضد القوات الإسرائيلية وميليشيات جيش لبنان الجنوبي (لحد)، مستهدفاً المواقع العسكرية والمراكز الإستراتيجية. هذه العمليات أسهمت في إضعاف قدرة الاحتلال على التحكم في المناطق التي كان يسيطر عليها.
وبينما يراهن البعض على أن المقاومة انتهت، يثبت الواقع أنها صامدة ومتجددة. وقد أصبح جمهور المقاومة أكثر إيماناً وتمسكاً بها، معتبراً إياها الضمانة الوحيدة لوجوده.
ورغم الدمار والضغوط والتهويل، تجدّد البيئة عهدها في كل مناسبة. وفي 14 آب، يوم النصر، ساذجُ من يعتقد أن دماء الشهداء وتضحيات المقاومين ستذهب سدى.