بدأت بيئة المقاومة تعتد على خطابات فصل من أمينها العام سماحة الشيخ نعيم قاسم، كما بدأت بالاعتياد وقراءة رسائل ظاهرة أو مبطنة، كل تلك الجماعات التي اعتادت معارضة الحزب لأسباب متنوعة، ايضاً، لم تعد بعيدة عن تلقف هذه الرسائل تلك الجهات التي لطالما تابعت خطابات الأمين العام الاسبق، الشهيد السيد حسن نصرالله، لمحاولة التنبؤ بما هو قادم، وبدأ كل من يعنيهم الأمر بمحاولة تحليل هذه الخطابات لمحاولة استخلاص بعض مواقف أو سياسات وخطط لما هو قادم، وصار اللبيب من الإشارة يفهم، وكما اعتاد المحبون على نبرة الخطاب ورسائله، صار الأعداء يستمعون لتلك الخطابات جيداً ليأخذوا منها ما يعنيهم في خرائط وألغاز حروفها، وبدأت روح الأمين العام الشهيد وكلماته تتسلل في كلمات الأمين العام الحالي، لعلمه بتأثيرها وفعاليتها في غير مقام ومكان، ولعلمه مدى التأثير والفعالية لتلك الكلمات التي لا تقل عن أي سلاح، وربما تتعداه في الإصابة أو التأثير .
وجرياً على عادتها المستمرة، تحتفي المقاومة بشهدائها، تستذكرهم وتضيء على بعض خفايا عنهم لتبيان حقهم وفضلهم، وتطلق الموقف المنتظر الذي يحمل معه دلالات لاحقة، ليُبنى على الشيء مقتضاه، ولتبدأ الدراسات حول كل كلمة ومدى تأثيراتها والى ما تهدف، لتختصر الواقع الحالي وتستشرف المستقبل القادم لهذه المقاومة .
ولأن الشيخ نعيم قاسم، يعرف ما يترتب على كل كلمة وكل نبرة تصدر منه في خطاباته، خصوصاً اليوم، مع ما تشهده الساحة المحلية، لجهة التهديد القادم جنوباً وربما شرقاً وشمالاً، ولأنه أستاذ الكيمياء الذي تفنن سابقاً في صوغ معادلات تخلق ما هو جديد، فإنه اليوم ينتقي كلماته ليخلق معادلة جديدة، تقلق الخارج وبعض الداخل، وتؤكد روحية هذه المقاومة وثباتها واستمرارها رغم كل التنبؤات التي تقول بقرب زوالها، وليفهم الجميع ويبنون أو يعيدون بناء حساباتهم، وفق الثابت الوحيد، الذي يؤكد امتلاك هذه المقاومة للسلاح الأقوى والأقدر، وهو سلاح الثبات وفكر التحرير، ليرسم معادلات بدأت تظهر، مترافقاً مع أسلحة كثيرة تؤرق مضاجع الصهاينة ومعهم آخرون عما ستفعله إذا وقعت أي مناوشة أو حرب قادمة .
بعد الذكرى والعبرة والوجدان في الحديث عن جندي مجهول "خميني"، كما أحب أن يسمي نفسه دائماً، اقصد السيد فؤاد شكر، وبعد الاستفاضة العاطفية عن مخزونات وذكريات حملتها عقود أربعة خلت، يأتي دور الحديث عن واقع حالي، واخر لاحق ودروس للجميع من أستاذ خبر التدريس سابقاً وحالياً وشرحٌ لكل من أراد أن يفهم القادم، وتأكيد بأن هذه المقاومة نشأت وتربت على ثوابت لم ولن تتغير، في مقدمتها رفض اسرائيل واستحالة التطبيع معها واستمرار المقاومة بأوجه مختلفة ومتنوعة، قد تفاجأ الجميع، وربما في جغرافية جديدة، تفتح معها أبواب القلق للصهاينة، وبشائر التحرير لكل مقاوم عروبي شريف، عشق القدس وسار في درب تحريرها .
إذن بضعة جمل حددت معها ثوابت واكدت ما هو مؤكد، أن يبحث اللاهثون والشامتون، عن أبواب أخرى تعود عليهم بالرزق أو الطموح الذي يسعون إليه، ويتوقفون عن تخيل فكرة نهاية المقاومة من العقول والقلوب قبل نهايتها من جدول الموجودات القائم اليوم، وتأكيد للجميع بأن يذهبوا حيث يجب أن يذهبوا ويطالبوا بما يجب المطالبة به، من انسحاب ووقف تعديات اسرائيلية، وحين تحصيل كل المطلوب لحماية لبنان، يتم الحديث عن التفاصيل الأخرى، وتأكيد آخر بأن هذا السلاح لن يُسلَم إلى إسرائيل عبر أذرعها وأدواتها ولن يكون له سوى هدف واحد، وهو القتال لإستعادة الأرض والحفاظ على الوطن وحمايته .
الخلاصة، أن كلام الأمين العام كان واضحاً بما لا يحمل الشك، أن الحديث عن تسليم سلاح المقاومة هو مطلب اسرائيلي وغاية اسرائيلية، وكل من يطالب بهذا الأمر هو متواطىء مع الصهاينة بمعرفة أو من دونها وأنه يسير في ركب المخطط الصهيوني، المعتمد على إضعاف الدول وتفتيتها بغية الاستمرار والهيمنة، وهو ما لن تقبله المقاومة حتى لو قاتل الجميع واستشهدوا .
الرسائل التي أطلقها الشيخ نعيم قاسم، وصلت حيث يجب أن تصل، وأفهمت الجميع بأن هذه المقاومة لا تزال قوية محافظة على وجودها، مؤكدة ثبات البوصلة نحو التحرير دون التفات إلى الهيمنة على الداخل الذي هو لكل اللبنانيين، لتكون مع هذه الرسالة إعادة رسم لكل حديث للمهتمين والساعين إلى نسف هذا المورد الوطني، عبر تصريحات وسعي لنزع نقاط القوة من لبنان، وتأكيد وطمأنة بوجهة هذا السلاح وغايته، وإرسال بعض المؤشرات المخفية بين السطور، لتبرز ثبات في المصير والمسار، وربما ولادات محاور جديدة مخفية، تسهم في هذا الهدف والتوجه، ترمي بأثقالها على اسرائيل التي لن تكون بمنأى عن كل ما هو قادم .