بقلم: خضر رسلان
كلّما ارتفع منسوب التهديدات الصهيونية للبنان، وازدادت الاعتداءات على الجنوب، يخرج علينا بعض السياسيين بخطابٍ مكرّر: نزع سلاح المقاومة، بسط سلطة الدولة، سحب "السلاح غير الشرعي"... وكأنهم يقرأون بيانًا أُملي عليهم من الخارج.
لكنّ هؤلاء أنفسهم لا يثقون بالدولة التي يطالبون الناس بتسليم أمنهم إليها.
يتنقّلون في مواكبات مدجّجة بالسلاح، يحيط بهم عشرات المرافقين، يركبون سيارات مصفّحة، ويتحصّنون خلف جدران الحماية. فكيف يطلبون من الناس أن يثقوا بدولة لا يثقون بها هم أنفسهم؟
أيّ منطق هذا؟ وأي ازدواجية أفدح من هذه؟
يقولون "نريد دولة قوية"، لكنهم لا يتجرّؤون على السير خطوة واحدة من دون حماية مسلّحة.
يطالبون الناس بـ"الاطمئنان" إلى مؤسسات الدولة، لكنهم يستعرضون سلاحهم الشخصي في كلّ تحرّك، ويعتبرون المواكبة الأمنية امتدادًا لهيبتهم وموقعهم.
لو كانت الدولة قادرة على حماية أبنائها، لما وُلدت الحاجة أصلاً إلى سلاح المقاومة.
سلاحٌ نشأ من رحم الاعتداءات، وتراكم بفعل التجربة، وقدّم توازن ردع حمى البلاد حين تخلّى العالم عنها.
أما سلاح السياسيين، فسلاح تنقّل ومظاهر. سلاح يُستخدم لترهيب المواطن، لإخافة الخصم السياسي، لتكريس السلطة لا لحماية السيادة.
المفارقة أن الدعوات إلى نزع سلاح المقاومة تأتي غالباً في التوقيت الأسوأ: عندما يكون العدو في ذروة تهديده، وعندما تكون المنطقة على صفيح ساخن. وكأنّ وظيفة البعض هي تغطية ظهر العدو بخطاب مشبوه من الداخل.
ثمّة سؤال بسيط هنا:
قبل أن تطلبوا من الناس أن يسلّموا سلاحهم، لماذا لا تخلعون أنتم دروعكم؟
لماذا لا تتخلّون عن حراساتكم؟
لماذا لا تسيرون في شوارع بيروت والضواحي والقرى دون مواكبات؟
أليس الأجدر أن تكونوا قدوة قبل أن تطالبوا غيركم؟
ما الذي يمنع نائبًا أو وزيرًا أو زعيمًا سياسيًا من أن يعيش كما يعيش من يطالبهم بالثقة بالدولة؟
هل تخشون الناس؟ أم أنكم لا تطمئنون لغير السلاح الذي يرافقكم؟
حين يُقصف الجنوب، أو تُحاصر غزّة، أو يُهدَّد لبنان، لا نسمع منكم كلمة ادانة واستنكار، بل تخرجون بنفس الأسطوانة: سحب السلاح، ضبط الحدود، تهدئة العدو. وكأنّ ما يزعجكم ليس العدوان، بل من يقاومه.
يا سادة، لا أحد يطلب منكم أن تذهبوا إلى الجبهات
لا أحد ينتظر منكم القتال أو التضحيات.
كلّ ما يُطلب منكم أن تكونوا صادقين مع أنفسكم ومع الناس
تخلّوا عن امتيازاتكم الأمنية.
توقّفوا عن التلويح بسيادة لا تملكون الدفاع عنها
واسكتوا، إن لم تجرؤوا على تطبيق ما تطلبونه من الآخرين على أنفسكم
فمن يعيش في ظلّ مواكبة مسلّحة، لا يحق له أن يُنظّر على من يعيش في ظلّ صواريخ العدو.