هداية محمد التتر
ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق في قطاع غزة، ما دفع الفلسطينيين إلى شراء كميات قليلة جداً من المؤونة بأسعار فلكية. فبدلاً من شراء عبوات كاملة، أصبح المواطنون يعتمدون على «الملعقة» لاقتناء معجون الطماطم والزيت النباتي وغيرها من المواد، في ظل غياب السيولة وارتفاع الأسعار التي باتت تفوق قدرة الكثيرين على الشراء.
وجبات بلا نكهات
أكدت أم إبراهيم المدهون (48 عاماً)، لـ«الأخبار»، أنها سعَت «منذ مدة إلى شراء معجون الطماطم والزيت النباتي مع بعض البهارات لتحضير طبق شهي يسد جوع صغارها، بعد أن باتت الأسعار الخيالية تمنعها من شراء الكميات التي اعتادت عليها سابقاً».
وقالت: «لم أجرؤ على الشراء كما في السابق، حتى تغيرت معايير القياس والأوزان، فكانت الملاذ كي نأكل طعاماً بنكهة»، مشيرة إلى أن «ملعقة واحدة من مرق الدجاج كلفتني 20 شيكلاً، وملعقتي الصلصلة كلفتني 30 شيكلاً، فمجموع ما اشتريته كنت أحضر فيه خضاراً ومؤونة لعدة أيام قبل الحرب».
وشدّدت المدهون على أن الحياة أصبحت «صعبة جداً ولا تطاق»، في ظل الغلاء الفاحش ونقص السيولة، التي بالكاد أتاحت توفير وجبة واحدة يومياً.
في السياق نفسه، قال أحمد العاصي (25 عاماً)، لـ«الأخبار»، إنه «لم يتناول مشروبات باردة أو ساخنة منذ عدة أشهر بسبب ندرة توافرها في غزة»، مضيفاً أن «ارتفاع سعر القهوة دفعه إلى شراء ملعقتين بسعر 40 شيكلاً، رغم أن القهوة كانت مخلوطة بالحمص المحمص والمطحون».
وذكر العاصي أنه اشترى حفنة من مرق الدجاج والبصل المطحون بسعر 45 شيكلاً، وقال: «ضيق الحال دفعني إلى تناول أي شيء مهما كان طعمه، كي أسدّ الجوع وأخفف الألم الناتج من الحرمان من طعام مغذٍّ منذ أشهر».
أزمة السيولة تدفع العائلات إلى تقليل الوجبات والمواد الأساسية
عبّرت إحسان النزلي (42 عاماً) عن حزنها لما وصل إليه حال بيتها، مؤكدة أن «زوجها مدرّس يتقاضى راتبه من رام الله، ونصفه تقريباً يذهب للحصول على المال نقداً، ما جعلها غير قادرة على شراء حاجات الطعام».
وقالت السيدة الأربعينية لـ«الأخبار»، إن «وجباتهم أصبحت مقتصرة على صنف واحد فقط، وهو العدس الذي وصل سعر الكيلو منه إلى 80 شيكلاً»، وأضافت أنها «توجهت للسوق لشراء ما يحسن طعم العدس، لكنها وجدت ملعقة من مرق الدجاج المجفف بـ20 شيكلاً، في حين كان سعر الكيلو منه 12 شيكلاً قبل الحرب».
كما عبّرت النزلي عن أسفها لتدهور الأوضاع، وقالت: «قبل حرب الإبادة كنا نشتري طعاماً يكفينا لشهر كامل بمئة دولار، أما اليوم فنكاد نشتري كيلو أو اثنين من الدقيق فقط». متأمّلة أن «تنتهي الحرب وتعود الحياة إلى طبيعتها».
وفي موجز أسبوعي لرصد السلع الأساسية في الأسواق، رصدت غرفة تجارة وصناعة غزة ارتفاعاً حاداً في أسعار المؤونة، إذ بلغ سعر 25 كيلو من الدقيق 2536 شيكلاً بدلاً من 35 شيكلاً، وارتفع سعر السكر إلى 413 شيكلاً بعدما كان 3 شواكل، فيما وصل سعر حليب الأطفال إلى 170 شيكلاً بدلاً من 25.
وسجل متوسط مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية في الأسبوع 3590 شيكلاً، فيما بلغت نسبة عمولة سحب السيولة نقداً 43%.
وفي السياق، قال محمد الوادية (28 عاماً)، وهو بائع في سوق الشيخ رضوان، لـ«الأخبار»، إنه «اضطر إلى بيع المؤونة بهذه المعايير لأن المواطنين لا يستطيعون شراء كميات أكبر بسبب الغلاء الفاحش»، مشيراً إلى أنه «أحياناً لا يُحضر بعض المواد الغذائية التي لا يقدر المشتري على دفع سعرها، مثل القهوة وبعض البهارات».
وأكد الوادية أنه «لولا الحاجة إلى دعم أسرته، لتوقف عن البيع بسبب نظرات الحسرة التي يراها في عيون الناس»، وقال: «أشتري المواد بأسعار مرتفعة جداً، وأضطر إلى بيعها بنفس السعر، ولا أربح إلا قليلاً».
«الملعقة» تعكس حجم الأزمة
من جهته، اعتبر المختص في الشأن الاقتصادي، محمد أبو جياب، في حديث إلى «الأخبار»، أن «شراء المؤونة بالملعقة يعكس حجم الجوع الذي يعيش فيه الفلسطيني في غزة»، موضحاً أنه «من يبيع معجون الطماطم بالملعقة يعلم أن الناس لا تملك المال لشراء علبة كاملة كانت تكلف 6 شواكل، واليوم سعرها وصل إلى 90 شيكلاً».
ولفت أبو جياب إلى أن «الجوع تفاقم نتيجة غياب مصادر الدخل، وأن البعض بات يشتري ليومه فقط وسط ندرة المواد الغذائية»، و«حجم الأموال اليوم لا يساوي شيئاً مقابل الغلاء الموجود»، مؤكداً أن «القيمة الحقيقية للمال تراجعت بشكل كبير، فـ1000 شيكل اليوم تساوي 10 شواكل فقط».
وقال إن «سعر كيلو الدقيق وصل إلى 200 شيكل نقداً، والباعة يرفضون التعامل عبر التطبيقات البنكية، الأمر الذي يجعل سعر الكيلو يعادل 100 دولار بعد خصم 45% من قيمة الدولار»، مضيفاً أن «الواقع الاقتصادي وغياب المساعدات انعكس على تغير معايير قياس الأوزان».
وكشف أبو جياب أن«95% من الفلسطينيين في غزة بلا دخل، و90% منهم لا يستطيعون تأمين الغذاء، و90% من الغزيين توقفوا عن تلقي المساعدات منذ أربعة أشهر، بينما 10% من الناس يسيطرون على المساعدات الأميركية».