موسكو - بكين - طهران أفق التعاون يتوسّع آسيا خضر خروبي الأربعاء 23 تموز 2025 ليست «المشاورات الثلاثية» في طهران منفصلة
موسكو - بكين - طهران: أفق التعاون يتوسّع
آسيا
خضر خروبي
الأربعاء 23 تموز 2025
ليست «المشاورات الثلاثية» في طهران منفصلة عن محطات سابقة (أ ف ب)
مع استبعاد عودة المفاوضات غير المباشرة الإيرانية - الأميركية في موعد قريب، لأسباب متّصلة بالنهج المراوغ المتّبَع من جانب الولايات المتحدة، والمؤيَّد بقوةِ دفعٍ عدوانية إسرائيلية، تجاه طهران، تبدو الأخيرة أكثر تمسّكاً بتدعيم تحالفاتها الإستراتيجية مع «محور الشرق»، المتمثّل بصورة رئيسية في كلّ من الصين وروسيا.
ويأتي ذلك في ظلّ تصاعد مناخات انعدام الثقة في أوساط قطاع كبير من الجمهور والنخبة السياسية الإيرانيَين، بخاصة «الإصلاحيون» (المتوجسون تاريخياً حيال جدوى العلاقة مع الروس)، بفرص الانفتاح على الغرب، ورغبة القيادة الإيرانية في كسر الضغوط الغربية، ومحاولة جسر ما ظهر خلال حرب الـ12 يوماً من فجوة بين الخطاب السياسي لحلفاء إيران «الكبار»، والممارسة الفعلية في علاقاتهم معها.
ورغم أن تلك التوجهات الإيرانية لا تعني بالضرورة إهمال المسار الديبلوماسي للملف النووي، ولا سيما أن كلاً من موسكو وبكين تدعمان هذا الأخير بشدّة، فهي تعكس بالتأكيد سعي الجمهورية الإسلامية إلى «تقريش» المعادلات العسكرية والسياسية التي كرّستها في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، في سبيل تحصيل دعم عسكري إضافي من جانب كل من روسيا والصين، يكون ذخراً لها في حال استئناف العدوان عليها.
وينسجم ذلك مع ما شدّد عليه المرشد الأعلى الإيراني، السيد علي خامنئي، أخيراً، حين دعا القادة العسكريين وكبار الديبلوماسيين الإيرانيين إلى أن يتعاملوا مع المرحلة المقبلة بـ«دقّة»، مؤكداً أنه «سواء دخلنا مجال الديبلوماسية أو الساحة العسكرية... فسندخل من موقع قوة».
ماذا بين موسكو وطهران؟
ليست «المشاورات الثلاثية» في طهران منفصلة عن محطات سابقة جلّت سعي الجمهورية الإسلامية إلى تعزيز آليات تنسيق سياساتها الإستراتيجية مع حلفائها التقليديين، وبخاصة تلك المتصلة بحماية برنامجها النووي، إضافة إلى بناء قوة ردع شاملة تستهدف رفع كلفة أي تدخل عسكري ضدها. وكان أبرز هذه المحطات زيارة أجراها مستشار المرشد الإيراني، علي لاريجاني، إلى العاصمة الروسية الأحد الماضي، حيث «نقل بتكليف من قيادته تقييمات الوضع المتأزم في الشرق الأوسط وحول البرنامج النووي الإيراني»، وفق ما أفاد به المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف.
ونقلت وكالة «إرنا»، بدورها، عن السفير الإيراني لدى موسكو، كاظم جلالي، تأكيده حضور وزير الدفاع، نصير زاده، لقاء بوتين ولاريجاني، مشيرةً إلى أن الزيارة سبقتها لقاءات منفصلة أجراها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، مع نظيرَيه الروسي سيرغي لافروف، والصيني وانغ يي، على هامش اجتماع وزراء خارجية «منظمة شنغهاي للتعاون»، في مدينة تيانجين الصينية، وتبعها اجتماع مماثل بين وزيرَي الدفاع الإيراني والروسي، خصّص لبحث آفاق التعاون العسكري بين البلدين. وترافق كلّ ذلك مع انطلاق مناورات عسكرية مشتركة في بحر قزوين، حملت اسم «CASAREX2025»، ومن المفترض أن تنتهي اليوم.
وفي مقابل ما تشيعه وسائل إعلام غربية وإيرانية حول عدم رضى إيران عن مستويات الدعم الروسي لها في وجه العدوان الأميركي - الإسرائيلي، والتي لم تتجاوز حيّزَي «المؤازرة الديبلوماسية» و«الوساطة النووية»، رغم ما قدّمه الإيرانيون لحلفائهم الروس من دعم تسليحي في الحرب على أوكرانيا، وإبرام الجانبين «اتفاقية شراكة إستراتيجية» دخلت حيز التنفيذ الأسبوع الفائت، رأت صحيفة «فارهيختكان» الإيرانية أن لقاء المسؤول الإيراني، الذي تولى ملف المفاوضات النووية بين عامَي 2005 و2007، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل موعد انعقاد محادثات الجانب الإيراني مع «الترويكا» الأوروبية في الـ25 من الجاري، يعكس الدور المهم الذي تلعبه موسكو في ملف السياسة الخارجية لطهران، وسط تنامي الأصوات في الداخل الروسي، المؤيدة لدعم إيران بالطريقة نفسها التي دعمت بها واشنطن كييف، بما في ذلك عسكرياً واستخبارياً.
قد تكون طهران في وارد «تنويع تحالفاتها الإستراتيجية» وإن ضمن هامش ضيق
وأشارت صحيفة «جوان»، المقربة من «الحرس الثوري»، بدورها، إلى أن لقاء لاريجاني - بوتين لم يكن بالضرورة لأهداف عسكرية مباشرة، بقدر ما تعلّق بقضايا سياسية وإستراتيجية، مع مراعاة توضيح بعض الرسائل إلى روسيا، سواء لناحية «تحفظها تجاه (سياسات) إسرائيل»، و«تغليب مصالحها (التفاوضية مع واشنطن) في أوكرانيا»، مضيفة أن اللقاء قد يكون وسيلة لطرح الهواجس الإيرانية مجدّداً في هذا الشأن، ولتعزيز التفاهمات المشتركة. ومن منظور الصحيفة، فإن إيران تتطلّع إلى الحصول على دعم قوي من حليفتيها، روسيا والصين، في خضم مواجهتها مع الولايات المتحدة، لا سيما أن انهيار الهيمنة الأميركية يخدم مصالح هاتين الدولتين أكثر من غيرهما.
وبحسب مراقبين للشأن الإيراني، فإن زيارة لاريجاني، صاحب السجل الحافل في نقل رسائل القيادة الإيرانية إلى أطراف دولية وإقليمية مختلفة، تترافق مع نية موسكو «تحسين سجل مواقفها» التي تبدّت إبان المواجهة الإيرانية - الإسرائيلية، وهو ما يتقاطع، وفق محللين، مع ما كشفته وكالة «دفاه برس» الإيرانية نقلاً عن نائب قائد الجيش للعمليات، محمود موسوي، من أن طهران استبدلت أجزاءً من دفاعاتها الجوية المتضرّرة، وما تواتر عن هبوط ما لا يقلّ عن 3 طائرات شحن عسكرية روسية من طراز «إيل - 76» في مطارات الجمهورية الإسلامية خلال الأسبوع الماضي.
الصين: أي دور في خطة «إعادة الهيكلة» الإيرانية؟
مع ذلك، ثمّة من يرى أن طهران، ورغم تمسكها بعلاقاتها مع موسكو، كشريك دولي أساسي، فإنها قد تكون في وارد إمّا «تنويع تحالفاتها الإستراتيجية»، وإن ضمن هامش ضيق، أو حتّى «إعادة النظر في بعض جوانب الشراكة مع روسيا»، خصوصاً بعدما رفضت غير مرة الاستجابة لطلبات إيرانية لشراء مقاتلات متطورة من نوع «سو - 35». وبالنظر إلى محدودية خيارات الجمهورية الإسلامية على هذا الصعيد، تبرز الصين بوصفها مرشحة رئيسية لتزويد إيران بأسلحة متقدمة، مع تأكيد الأمين السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، أن «العقيدة الدفاعية الإيرانية بحاجة إلى إعادة هيكلة جوية»، وأن «التعاون مع الصين ليس مجرّد خيار تكتيكي بل هو تحوّل إستراتيجي».
وضمن هذا الإطار، أفادت صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست»، في الـ26 من حزيران الماضي، بموافقة بكين على تسليم 24 طائرة من طراز «J-10» من الجيل الرابع، معزّزة بتقنيات من الجيل الخامس، على دفعات تبدأ نهاية العام الحالي، مقابل تسهيلات إيرانية لبكين في قطاع الطاقة. وفي حال صحّت تلك الأنباء، فإن بكين تكون قد «دشنت مرحلة جديدة من الديبلوماسية الدفاعية، بما يعيد تشكيل موازين القوى التقليدية، ويخترق هيمنة واشنطن على أمن الشرق الأوسط»، وفق خلاصة تحليل صادر عن مركز الدراسات التابع لـ«البنتاغون».
والمخاوف نفسها عبّرت عنها دوائر إسرائيلية أيضاً؛ إذ أورد موقع «إنديا توداي»، بالاستناد إلى حديث مسؤول سابق في استخبارات الجيش الإسرائيلي، أن الصفقة «قد تتضمن تبادل تقنيات عسكرية حساسة»، معتبراً «أن امتلاك إيران مقاتلات J-10 قد يقلّص من هامش التفوق الجوي الإسرائيلي مستقبلاً». أما عن التبعات الإستراتيجية، فيتوجّس خبراء غربيون من أن تكون صفقات الأسلحة المحتملة بين الصين وإيران، والتي قد تشمل منظومات «HQ-9» المضادة للطائرات، على ذمة تقرير نشره موقع «ميدل إيست آي»، بمثابة «رسالة صريحة إلى واشنطن بأن النفوذ الصيني في الشرق الأوسط لم يعد محصوراً في مشاريع البنية التحتية بل بات يمتد إلى أدوات الردع الصلبة»، وأن «بكين بصدد الدخول في مرحلة جديدة من التموضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط، كفاعل أمني لا يُستهان به في المنطقة».
ان ما ينشر من اخبار ومقالات لا تعبر عن راي الموقع انما عن رأي كاتبها