❗خاص❗ ❗️sadawilaya❗
يكتبها : محمد علي الحريشي
من المؤسف اليوم أن دولة مثل سوريا، تمتلك إرث حضاري وثقافي عريق، يضرب بجذوره في أعماق التاريخ، كانت سوريا (مركز الشام) من أهم المراكز الحضارية للثقافة العربية في المنطقة العربية، فهي تتعرض اليوم للهدم والخراب والتدمير على يد أبناءها، وتقدم على طبق من ذهب لقمة صائغة، لأعداء الأمة العربية والإسلامية، من اليهود الصهاينة والأمريكان الحاقدين، من المحزن في نفوس كل أحرار الأمة العربية والإسلامية، أن يكونوا أشهاد على إنهيار ركن أساسي من أركان الحضارة والثقافة العربية، التي شكلتها سوريا عبر التاريخ، إلى جانب مراكز حضارة عربية أخرى، مثل مصر والعراق واليمن.
فمن هو المسبب في خراب سوريا ؟
سوف نحاول الإجابة على هذا السؤال بقراءة نقدية تحليلية، نقول:
النظام السياسي الذي نشأ في سوريا، من بعد الإستقلال عن الإنتداب الفرنسي، حتى تاريخ سقوط نظام بشار الأسد، هو من يتحمل الخراب والدمار والفوضي التي تحدث في سوريا، والتي سوف تهوي بالدولة وبالوجود السياسي السوري إلى قعر عميق، لايمكن الخروج والتعافي منه بسهولة،على مدى السنوات والعقود القادمة، من الذي ساعد على خلق النعرات الطائفية والإختلافات بين مكونات الشعب السوري؟ التي لم يكن أحد يسمع بها في السنوات الماضية، غير الأنظمة الديكتاتورية الأسرية، التي تسلطت على الشعب السوري ولم تعمل لصالحه، بقدر تسخيرها لمقدرات وثروات الشعب السوري، في بناء ديكتاتوريات قمعية وبناء جيش وأمن وأجهزة مخابرات تخدم الأسرة الحاكمة، ساهمت في خلق النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية، لصالح البقاء على رأس الحكم، فلم تنفع تلك المسميات والشعارات الباهتة والمخادعة، مثل القومية والعروبية والبعثية، لتغطية الواقع الأسري الديكتاتوري الأناني، الذي كان يمارس.
هكذا هي الأنظمة الديكتاتورية الأسرية المنعزلة، قد ساهمت في إيجاد الأسس والعوامل، لخراب بلدانها والقضاء على ماضيها وحاضرها ومستقبلها الحضاري، كشعب مستقل وحر يعيش بكرامة، فلم يكن وقوف نظام حافظ الأسد مع إيران في حرب الثمان السنوات مع العراق، غير نكياية وثأر من نظام البعث في العراق، ولم يكن قناعة منه بمظلومية الشعب الإيراني، لأن نظام حافظ الأسد، رأى في نظام البعث العراق، منافساً له ولنظامه على الزعامة البعثية العربية، وأعتبر أن النظام العراقي قد سطى على حق من حقوق النظام السوري وسرق نسخة أصلية من نظامه البعثي، ليسحب الزعامة البعثية من سوريا، فالنظام السوري يعتقد أن فكرة البعث العربي نشأت في سوريا ولاتنقل إلى أية بلد عربي آخر إلا بموافقة سورية وبحسب مواصفاتها، هكذا كان وقوف حافظ الأسد مع إيران، في حرب الثمان السنوات، ليس حباً في نظام الثورة الإسلامية في إيران، لأنه لاتوجد أية مشتركات، بين النظام البعثي العروبي الأسري العلماني السوري، وبين نظام الثورة الإسلامية الفتية في إيران، فكان وقوف نظام حافظ الأسد، في تلك الحرب الأمريكية الصهينوية العبيثة ضد إيران، مبنية على أسس مصالح شخصية، للرئيس حافظ الأسد وعلى دوافع أحقاد شخصية، ضد نظام البعث في العراق، الذي كان حينها لايقل سوء وشخصنة وديكتاتورية، عن نظام البعث السوري، وقد كرر حافظ الأسد الموقف الحاقد، ضد نظام البعث العراقي، في تحالفه مع الرئيس الأمريكي جورج بوش، ومشاركته بجيش وقوات مسلحة سورية، في إطار التحالف الأمريكي والغربي العسكري لتدمير العراق، فلماذا إنحرف الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد فجأة، وولى وجهه نحو أمريكا؟ لم يكن ذلك الإنحراف، غير تكتيك سياسي لضمان كسب رضا أمريكا، ودعمها لنظام توريث الحكم في سوريا، لنجله بشار الأسد.
لم يعمل النظام السوري لصالح شعبه، ولم يبنى الدولة على أسس وطنية، تذوب فيها كل مكونات الشعب السوري، في بوتقة الوطنية والهوية السوريةالموحدة والجامعة، ولم يتم التعامل والحسابات السياسية، وتوزيع المناصب القيادية في جهاز الإدارة السورية، وفي المراكز القيادية للقوات المسلحة والأمن، وفي كل وظائف الدولة، لم توزع تلك الوظائف، على أسس الكفاءة والوطنية وروح الشراكة ومعايير العدالة، بل وزعت على معايير الولاء الشخصي والأسري والحزبي، وهمشت مكونات أساسية من مكونات الشعب السوري، الشيء الذي أدى إلى تراكم الأحقاد والمظلومية، بين تلك الفئات والمكونات الشعبية، ذلك الغباء السياسي والأنانية المفرطة، والإحساس بجنون السلطة والعظمة، والوهم بالإمساك بخيوط القوة والخلود على كرسي الحكم والتسلط، كل ذلك أفسح المجال وأعطى فرصة ذهبية للدول والقوى الدولية والأقليمية المتربصة بالشعب السوري، للتدخل والتغلغل داخل مكوناته، والتربص بها وتحريض بعضها ضد البعض الأخر، وخلق الفتن وتغذية الصراعات فيما بينها البين، وضد نظام الحكم، وتشجيعها وتمويلها على القيام بثورة ضد النظام، وقد ساعد القوى الدولية والأقليمية المتربصة بالشعب السوري عوامل دولية وتجاذبات سياسية إقليمية، وسعت من المطامع الأمريكية والصهينوية، في العبث والفتك بسوريا وهذا الذي حدث.
لو تعامل النظام الأسري الديكتاتوري السوري مع شعبه على أسس وطنية، وبنى دولة وجيش لخدمة الشعب، وليس لخدمة توريث السلطة، لماوصلت سوريا إلى ماوصلت إليه، من أحقاد وصراعات وثارات، عمقت الهوة بين مختلف المكونات الطائفية المذهبية والعرقية للشعب السوري، فهل المجاز التي حدثت، والدماء التي سفكت في الساحل السوري بالأمس، والتي تحدث في السويداء، هل تلك الدماء والجراحات العميقة تساعد على بقاء سوريا موحدة؟ لقد وصل ببعض تلك المكونات السورية أن يصل بها الحال، إلى الإستغاثة بكيان العدو الصهيوني، وتطالب بتدخله لحمايتها،--كالمستجير من الرمضاء بالنار--.
في الحقيقة؛ لاعتب على تلك الأصوات المنادية بتدخل العدو الصهيوني وحمايته لهم، فتلك الأصوات لم تخرج من فراغ، بل هناك مظالم ومساوىء ومجازر مورست بحقهم من النظام الديكتاتوري بالأمس، ومن أتباع النظام الإرهابي الداعشي، الذي أوصلته أمريكا إلى كرسي السلطة في دمشق، وفي الحقيقة لم توصل--أمريكا ومن يقف معها من وكلاءها في المنطقة-- النظام الداعشي إلى الحكم في سوريا، إلا لإستكمال مخططات تدمير وتخريب الدولة والشعب السوري، فوجود النظام الداعشي في سوريا، هو وجود مؤقت بالتأكيد، وسوف ينتهي مفعوله ووجوده، بإنتهاء الوظيفة التي يقوم بها.