على جدولِ الأعمال؟
١١/٧/٢٠٢٥
ميخائيل عوض
بطولاتٌ نادرةٌ، رجالٌ أساطير، جرأةٌ لا في قصصِ الخيال، صمودٌ واستعدادٌ للتضحيةِ والتحمُّلِ غيرُ مسبوق.
هذه دروسٌ ونواتجُ ومعطياتُ حربِ الإبادةِ والتهجيرِ على غزّة، وتُبلي وتُثخنُ الجراحَ لإسرائيل، وتكشفُ حقيقةَ جيشِها وتفاهتَه وعجزَه عن القتالِ والحروب، ما خلا الذراعَ الطويلةَ والحربَ السريّة، وهي عناصرُ قوّةِ أمريكا وعالمِها الأنغلو-سَكسوني.
واحدٌ وعشرون شهرًا من الحرب، زجَّتْ فيها إسرائيلُ، أي كلَّ عناصرِ قوّتِها وحلفِها الكوني، وتَخفقُ، ولم تُحقِّق مكاسبَ سوى التدمير، ومنها تدميرُ سمعتِها وسرديّتِها وتعاطفِ الرأيِ العامِّ معها.
٢
اليمنُ دُرَّةُ المحورِ ومفاجأتُه غيرُ المنتظَرةِ ولا المسبوقة.
هزمَ العالمَ الأنغلو-سَكسوني، وحلفَ الازدهار، وهزمَ أمريكا التَّرَامبيّة التي زجَّتْ بكلِّ قوّتِها البحريّةِ والجويّة، وحركاتِ جسدِ ترمب، وقوّةِ حبالهِ الصوتيّة، وألاعيبهِ الإعلاميّة.
ويستمرُّ اليمنُ في معركةِ الإسنادِ وفرضِ الحصارِ البحريِّ على إسرائيل، والتحكُّمِ بالبحارِ الخمسةِ، وبالتجارةِ والنقلِ البحريِّ، ويُمطرُها بالصواريخِ والمسيَّراتِ بلا تردُّدٍ أو تحسُّب.
٣
منطقيًّا، وبميزانِ القوى التقليديِّ وحساباتِه، فهما المسرحان الأضعف، والأقلُّ قدراتٍ، وظروفُ حربِهم أسوأُ ممّا كانَ للبنان والعراق وسوريا وإيران.
فأنْ تُقاتِلَ غزّةُ وتُعيدَ صياغةَ قوّتِها وحربِها وتكونَ لها اليدُ العُليا، وأنْ يستمرَّ اليمنُ بالقتالِ ويُحقِّقَ انتصاراتٍ، فيمثّلان حجّةً على محورِ المقاومةِ بمسارحِه المختلفة، وعلى دُولِه، ويحرجانِ عليهم ويسقطانِ حججَهم وذرائعَهم لوقفِ حربِ الإسناد، وللتوقّفِ عن الحرب، وعدمِ المبادرةِ إلى قيادتِها هجوميًّا.
والنموذجان، غزّةُ واليمن، يُسقطانِ حججَ وذرائعَ دولٍ ونُظُمٍ وفصائلِ الاستسلامِ والخيانة، والتبرُّعِ بالأموالِ لتمويلِ إسرائيل وترمب بتريليوناتِ الدولارات مجانًا وارتهابًا، فأينَ ظروفُ وقدراتُ غزّة واليمن ممّا تملِكُه مصرُ والأردنُّ والسودانُ وإماراتُ الخليج ومشيخاتُه؟
٤
زيارةُ نتنياهو لواشنطن غُلِّفتْ بالصمتِ والسرّيّة، وتميّزتْ بطولِ زمنِها في ظروفِ الحرب، وتاليًا لا بدّ أنْ تكونَ ذاتَ طابعٍ ونتائجَ بأبعادٍ استراتيجيّةٍ، من جهةِ التخطيطِ والتفاهمات أو الخلافات.
وعلى عكسِ ما أعلنهُ ترمب عن قربِ "مفاجأةٍ سارّةٍ" في حربِ غزّة، عادَ نتنياهو دونَ إنتاجِ هدنة، بل وبتصريحاتٍ تُؤكِّدُ تصميمَه على استمرارِ الحربِ حتى تحقيقِ هدفِ سحقِ حماس والفصائلِ المقاومة، وإقامةِ "معزلٍ" لأهلِ غزّة على جزءٍ من مساحتِها، والتعاملِ معهم كمجرّدِ قطعانٍ جائعةٍ تنتظرُ لقمةَ اليومِ وقطراتِ ماء.
٥
الأهمُّ ما كشفتْ عنه التسريباتُ من استجداءِ نتنياهو لتدخُّلٍ أمريكيٍّ أطلسيٍّ في حربِ اليمن، كما يُشبِهُ إعلانَ الهزيمة.
طلبُه أشبهُ بالمستجيرِ من الرمضاءِ بالنار، فقد اختُبرتْ قوّةُ أمريكا وحلفِها، وأُعلِنَتِ الهزيمة، وبطلبِ نتنياهو من ترمب العودةَ إلى التورُّطِ مع اليمن، يُشبِهُ المثل: "يا طالبَ الدُّبس من قفى النّمس، يكفيك شرَّ العسل".
ومن غيرِ المنطقيِّ أنْ يُلبّي ترمب طلباتِ نتنياهو، لأنَّه اختبرَ قوّتَه وأقرَّ بالعجز، فلماذا يُعيدُ الكَرَّة ويُعطي الحوثيين نصرًا ثالثًا باهرًا ومغيِّرًا في الأحوال؟
٦
زيارةُ نتنياهو الطويلةُ نسبيًّا، والثقيلةُ في زمنِ الحرب، يُقرَأُ بها وبنتائجِها متابعون، ويستخلصونَ أنّ جدولَ أعمالِها تجاوزَ إيران وغزّة وسوريا ولبنان إلى ما هو أبعدُ وأخطر.
تركيا ومستقبلُها وهدفُ تفكيكِها وسَوقُها إلى الفوضى، وهذا ما يُفسّرُ إنهاءَ ملفِّ السلاحِ الكرديِّ، ومحاولاتِ دمجِ "قسد" بجيشِ الجولاني في سوريا، وما يُفسّرُ الحملاتِ المحمومةَ والمذعورةَ التي يُنفّذُها أردوغان ضدّ المعارضة، ومحاولاتِ إجهاضِها بتصفيةِ نفوذِها في البلديّاتِ والإعلامِ والساحاتِ والميادين.
وأيضًا، يرى المتابعون أنّ مستقبلَ الضفّةِ والأردنِ كان على بساطِ البحثِ والتخطيط، والأهمُّ مصرُ والحاجةُ لتفكيكِها وتدميرِ جيشِها، ليتسنّى ترحيلُ الفلسطينيين وتأمينُ شرقٍ أوسطَ على طِباعِ نتنياهو.
٧
لا ينفي المتابعونَ والوقائعُ احتمالَ أنْ تكونَ زيارةُ نتنياهو آخرَ مساميرِ نعشِ العلاقاتِ النوعيّةِ بين إسرائيل وأمريكا الترامبيّة، وبعدَها قد نشهدُ بدايةَ انفكاكٍ تتّسعُ دائرتُه، فيقتصرُ دورُ أمريكا على التسليحِ والتذخيرِ، وإطلاقِ يدِ نتنياهو في حروبِه، فإمّا ينتصرُ أو يُهزَمُ ويُصفّى وجودُ إسرائيل، وفي كلتا الحالتين الترامبيّةُ مستفيدة.
ما زالتِ الحربُ جاريةً، وقد تتّسعُ مسارحُها وساحاتُها، فهي حربُ وجودٍ في زمنِ التقلّباتِ والتغيّراتِ البنيويّةِ والتاريخيّة.
لمتابعة كل المستجدات واللقاءات مع د.ميخائيل عوض الاشتراك بقناة الأجمل آت على الرابط:
https://youtube.com/channel/UCobZkbbxpvRjeIGXATr2biQ?si=HIYTk0efdiEPyW9p