بينما انشغل العالم بمشاهد العدوان الهمجي على قطاع غزّة، كانت هناك حربٌ أخرى تدور بهدوء في الخفاء، حرب استخباراتية عالية الدقّة، لا تُرى بالعين المجرّدة، لكنها تُحدث أثرًا عميقًا في بنية النظام الأمني والعسكري للكيان الصهيوني.
صدمة الخسائر البشرية: ضربة من العيار الثقيل
بدأت الحكاية مع تسريبات أمنيّة خطيرة تحدّثت عن الخسائر البشرية التي تكبّدها الكيان خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ووفق مصادر موثوقة داخل كيان الاحتلال، فإن هذه الحرب لم تكن كغيرها، فقد حصدت أرواح كبار القادة والعقول، وكشفت هشاشة المنظومة.
ملحوظة: هذه المعلومات جمعت من متابعة دقيقة للمصادر المفتوحة داخل الكيان الصهبوني كالصحف خصوصا الصفحات الاجتماعية ، ومما يتسرب من الصور عن دفن القتلى وأسمائهم ، ورسائل التعزية والمواساة… ومصادر أخرى.
بحسب تلك المعلومات، فقد خسر الكيان:
ـ 6 جنرالات كبار من قيادات الصف الأول
ـ 32 ضابطًا من جهاز الموساد
ـ 78 عنصرًا من جهاز الأمن الداخلي (شاباك)
ـ 27 عنصرًا من سلاح البحرية
ـ 198 ضابطًا من سلاح الجو
ـ 462 عسكريًا إضافيًا من وحدات الدعم والمساندة
ـ 423 جنديًا من الوحدات الميدانية
ـ 11 عالمًا نوويًا من مركز وايزمان للأبحاث
المجموع: 1,237 من نخبة النخبة في الكيان المحتل
هذه الأرقام – غير المسبوقة – لا تعني مجرد إحصائية، بل تمثل ضربة مباشرة إلى قلب المشروع الصهيوني. إنها انهيار متدرج في بنية القيادة، في الوقت الذي كان العدو يحاول إظهار تماسكه أمام الرأي العام.
من الحرب الصاروخية إلى الاختراق الاستخباراتي
لكن اللافت أكثر أن الحرب لم تقف عند حدود الرد العسكري. فقد استكملت طهران المعركة في ساحة أخرى لا تقل أهمية: ساحة الحرب الاستخباراتية.
وفي تقرير نشرته صحيفة “معاريف” العبرية، وأكدته أجهزة الأمن في الكيان، كُشف عن ما وصفته الصحيفة بـ”الخطر الاستثنائي”: شبكة تجسسية إيرانية داخل فلسطين المحتلة، تعمل بصمت، وتخترق من حيث لا يُتوقع.
عملية التجنيد الذكية: كيف نفذت إيران خطتها؟
وفق المعلومات المسرّبة، تمكنت أجهزة الاستخبارات الإيرانية من تجنيد أكثر من 40 إسرائيليًا في عمليات منفصلة، تم التحقيق في 25 منها، وأُحيل أغلبها إلى وحدات خاصة في الشرطة وجهاز الشاباك.
طريقة التجنيد كانت تعتمد على الإنترنت. كثير من المجنَّدين لم يكونوا يعرفون أن الطرف الآخر إيراني. البداية كانت غالبًا علاقة صداقة أو تعارف أو حتى تواصل عاطفي، ثم تطورت تدريجيًا إلى تكليفات محددة.
الحافز: المال مقابل الخدمات
بحسب التقرير، كان المال هو الدافع الأهم لهؤلاء العملاء. إيران دفعت ما بين 800 ألف إلى مليون شيكل (ما يعادل نحو 265 ألف دولار)، وكل ذلك تم عبر عملات رقمية يصعب تتبعها، مما أوقع سلطات الاحتلال في ارتباك رقمي ومالي.
من التقاط الصور إلى نقل الأسلحة
المهام الموكلة إلى العملاء تنوعت:
التقاط صور لبطاقات الهوية، الشوارع، المحالّ
نشر شعارات مثل: “نتنياهو إرهابي”، “أبناء روح الله”، “ارحل يا بيبي
إحراق أعلام الكيان الصهيوني
نقل طرود مشبوهة بين مناطق مختلفة
إرسال فيديوهات من مناطق استراتيجية
بل إن بعضهم كُلّف بتأجير شقق في مواقع مشرفة على منشآت عسكرية أو موانئ.
أخطر المهام: اختراق “القبة الحديدية” ورصد ميناء حيفا
أحد أبرز الملفات التي كشفتها التحقيقات الإسرائيلية هو قيام أحد الجنود العاملين في منظومة القبة الحديدية بإرسال فيديو من داخل المنظومة إلى طهران.
وفي حالة أخرى، تمكّن أحد العملاء من استئجار شقة تطلّ على ميناء حيفا بهدف مراقبة حركة السفن ورصد أي تحرّك يُعتقد أنه مرتبط باستقبال شحنات أسلحة قد ترسلها إيران مستقبلًا في أي سيناريو تصعيدي.
مطاردة المال… والاعتراف بالعجز
أعلنت شرطة الكيان أنها تمكّنت من تتبّع تدفق الأموال الرقمية عبر المحافظ الإلكترونية، لكنها اعترفت – ضمنيًا – بأن التهديد الاستخباراتي الإيراني لا يزال قائمًا، ويتوسع.
الرسالة الإيرانية: نضربكم من الداخل… ومن الأعلى
إن الرسالة التي أوصلتها إيران بهذه الضربات المزدوجة واضحة وصريحة: نحن لا نحاربكم فقط بالصواريخ، بل نحاصركم من الداخل. من داخل غرف عملياتكم، ومن وسط حاراتكم، ومن تحت أبراجكم الدفاعية.
من “القبة الحديدية” إلى ميناء حيفا، ومن عناصر الشاباك إلى علماء وايزمان… كل ذلك يؤكد أن المعركة القادمة لن تكون على الحدود فحسب، بل في العمق الصهيوني ذاته
إيران تخوض حربًا صامتة… وتنتصر
العملية الاستخباراتية الإيرانية الأخيرة ليست فقط اختراقًا أمنيًا؛ إنها تحوّل استراتيجي في شكل المواجهة. إنها حرب عقل وأعصاب، حرب سيطرة على الفضاء الرمادي، وتفكيك بطيء لأجهزة الاحتلال.
وربما تكون هذه مجرد بداية… لكن البداية وحدها كانت كافية لتُفقدهم التوازن.