❗️sadawilaya❗
حمزة العطار
أيام عشر ويزيد قليلا مرت على المنطقة كلها منذرة بإنفجار قد يلهب المنطقة وربما كل المسكونة، نتيجة إقدام إسرائيل ثم أميركا على استهدافات لمواقع وجغرافيا ايرانية، الأمر الذي قرب النار من البارود كثيراً، حتى بتنا نترقب الاعلان الرسمي لما ستلاقيه المنطقة من تدمير وتخريب، لن يرحم محايداً لأن الجميع اصطفوا في معسكرين على طول امتداد جغرافية المنطقة، لينذرنا ما كان سيحدث بأن الساعة قد أتت وها هي حرب ١٩١٤ و ١٩٣٩ العالميتين قد تعيد نفسها في أي لحظة، إلى أن حل الهدوء بلحظة ودون مقدمات، كما كانت بداية النزاع العسكري دونما مقدمات، فهل هي الحرب التي انتهت قبل أن تبدأ، أم أنها مناورة لما قد يحصل ولمن كانت الغلبة ولمن ستكون مستقبلاً ؟
التسارع الكبير الذي شهدته المنطقة، بل التسارع الذي تشهده منذ عدة أشهر وربما اكثر، يجعل المحللين والمراقبين في حيرة من امرهم، ليصلوا إلى نتيجة عدم الجرأة بإعلان أو وقف لأي حرب، كما الجرأة لإعلان المنتصر من المهزوم .
تغييرات كثيرة تسارعت بشكل مضطرد ومعها شهدنا ونشهد تبدلات كونية وجيوسياسية لدرجة عدم القدرة على التحليل نتيجة تسارع الأحداث وتأثيراتها . معركة طوفان الأقصى، ربما كانت شرارة ما حصل ويحصل ولا يمكن التكهن اليقيني بالقادم من الأيام، نتيجة تداخل أحداث ومواقف وتغيير في مواقف وتحالفات، تصنع كثير سيناريوهات في شتى الأصعدة .
اللافت اليوم والأكثر تداولاً هو ما حصل بين إيران وإسرائيل من جهة، ثم التدخل الأميركي لمساندة إسرائيل من جهة اخرى، ومن خرج منتصراً، خاصة مع إعلان طرفي النزاع النصر المؤكد، والى أين يمكن أن تتدحرج الأمور ؟ .
البداية في الأحداث الأخيرة كانت مشاغبة إسرائيلية، مقصودة ومتفق عليها، أم هي اجتهاد نتنياهو، أدخل العالم في نفق كاد أن يودي بالانفجار الكبير الذي يهرب الجميع منه، لكن وبعد أيام اشتباك اسرائيلي، رافقها تدخل اميركي، لصالح إسرائيل طبعاً، أسفر عن نهاية سريعة لحرب كادت أن تطيح بالمنطقة من بابها لمحرابها، وتوقفت بقدرة قادر، وقدرة ترامب، دون الوصول الى خواتيم تحليلية تعطي الصبغة الحقيقية لما جرى .
لكن المراقب والمحايد في مكان ما، يبقى يستقي بعض الأخبار ويشاهد بعض النتائج، فتتكون معه نتيجة منطقية لما حصل من جهة، وربما توقع قد يصيب غالباً من جهة أخرى .
حقيقة ومنذ عدة مقالات قبيل عودة ترامب، ونتيجة تصريحاته وسياساته التي كانت تتراءى، تحدثت أن ترامب، إن عاد، سيقوم بدور التاجر الذكي الذي بمقدوره الحصول على الربح الكبير، بل الأكبر وزيادة رأس المال الأساس بشكل تصاعدي ملحوظ، خصوصاً مع معاناة أميركية تعانيها بسبب ارتفاع البطالة من جهة والمنافسة المالية مع اليورو من جهة أخرى، والأهم هو التنافس مع الصين اقتصادياً بشكل كبير. وعلى مختلف الأصعدة .
حلّت ولاية ترامب الثانية، وبدأت التكهنات والتوقعات، كلٌ بحسب طموحاته وأمانيه، يرسم خارطة سير لما ستخبأه الأيام بحلوها ومرها، والى أي المراكب سيصل، إيذاناً منه بالحصول على مرتبة البقاء سالماً في ظل تسونامي ترامب القادمة، لكن المفاجىء لمن لا يعرف ترامب جيداً، أنه أتى يحمل عصا السلام والهداية، والتي هي نفسها عصا التهديد، ويريد نشر الأمان في كل الأرجاء، وهو أمر يقلق الخائفين الذين انتظروا عودة ترامب للنيل من القضية الفلسطينية ومن مقاومة لبنان وباقي حركات المقاومة العالمية، وللقضاء على رأس التحرر وقيادتها التي يرونها متمثلة بإيران .
إيران لم تكن بعيدة عن مراقبة كل الأحداث، بل كانت تتعلم من كل ما يحصل، وتتهيأ لما هو قادم نتيجة مراقبتها أحداث العصر وباتت تتحسب برياح التغيير الآتية دون أي حساب، فقط تحتاج إلى الوقت والكيفية ليتم لأهل هذا المعسكر أن يقوموا بما يسعون إليه .
الأسابيع الأخيرة، شهدت تطورات إيجابية في التفاوض الايراني الأميركي وسير بخطى إيجابية، أملاً بخواتيم حسنة ومرضية في الملف النووي الايراني، وبالتالي حلحلة لمعضلات تعانيها المنطقة والتي سيشملها بعض الحلول حتى ولو لم يتم التصريح بذلك، بل الاكتفاء بمفاوضات حول الملف النووي الايراني .
تسارعت الاحداث، وكثر الحديث عن إيجابية هنا أو سلبية هنالك، لكن كل المؤشرات كانت تشير الى خواتيم ستكون إيجابية للملف، ترخي ظلالها على المنطقة ككل .
الإيجابية التي كانت تتعاظم، كانت تؤرق اسرائيل وبنيامين نتنياهو تحديداً، الذي استشعر بخطورة نيل إيران مبتغاها من التفاوض من جهة، وخطورة مستقبله السياسي الأسود الذي ينتظر هدوئاً في المنطقة، ليشرع زنازين السجن في قضايا متعددة من ضمنها الفساد تلاحق نتنياهو منذ ما قبل طوفان الاقصى، ولعل خير الحروب التي حصلت وتحصل، من وجهة نظر نتنياهو، أن أخرت في استكمال محاكمة مفترضة لنتنياهو في قضايا عدة .
اذاً كان لا بد من التصرف السريع لإسرائيل، طبعاً، بموافقة ورضا وعلم أميركي، لتبقى بوابة الحلول والعقد مملوكة بيد ترامب، أو كما يظن، ويمارس سياسة الترغيب والترهيب حيثما اقتضت الحاجة. أتى الصمت الأميركي على ما ستفعله اسرائيل بمثابة الضوء الأخضر الاميركي، خصوصاً بعد مخططات ستغير معها، وجه إيران كما تفترضه الخطة، من خلال اغتيالات قادة سياسيين وعسكريين ودينيين، لن تستثني حتى السيد علي الخامنئي من التوجه، ليخرج نتنياهو معلناً تثبيت بناء الشرق الأوسط الجديد الذي تحدث عنه، بعد العمل على إزالة كل العوائق التي قد تؤخر هذا المشروع، من مقاومات فلسطين، إلى لبنان، مروراً بإنهاء الحكم الأسدي في سوريا، وصولاً إلى تغيير نظام الحكم في ايران، بعد موجة الاغتيالات التي ستحصل، وإعادة إيران إلى الحضن الأميركي على نسق ما كان قبل ١٩٧٩، بعد اغتيال الجميع وتسليم السلطة إلى شاه ايران رضا بهلوي، ابن الشاه القديم الذي نزعته ثورة عام ١٩٧٩ .
التحضيرات كانت معدة وفرضيات النجاح كبيرة واحتمالية الخطأ كانت ضئيلة جداً، مما يعني أن أيام قليلة وستعيد بهلوي إلى شاهنشاهية إيران بعد إنهاء كل ما قد يؤثر على هذه الحركة، ليعود معها الدور الأميركي والاسرائيلي في المنطقة، بعد كل التغييرات التي سيكون أهمها تغيير النظام في إيران .
لم تجرِ الرياح كما اشتهت أميركا واسرائيل، فلقد استطاعت إيران استيعاب الصدمة الأولى بسرعة قياسية عبر استبدال القادة العسكريين والعلماء بأكفاء غيرهم في ساعات، يملكون نفس القدرات والكفاءات، ولديهم نفس الغاية لناحية زوال إسرائيل، كما فشلت محاولة اغتيال المرشد، الذي تغيرت حسابات تحركاته وتنقلاته منذ اغتيال أمينين عامين لحزب الله في مدة قصيرة، وإلتفت فريقه الأمني إلى ضرورة تبديل كامل تحركاته بغية الحفاظ على حياته، وهو ما قد تم وجعله ينجو من محاولة اغتيال كانت وشيكة جداً .
إذن، استيعاب صدمة القادة واستبدالهم بآخرين في وقت قياسي، والتكتم على مقدرات إيران النووية وتخزينها في أماكن آمنة، تساعد الجغرافيا الايرانية الضخمة على ذلك، والرد المزلزل والكبير الذي فاجىء اسرائيل ومعها أميركا، بقدرة وكفاءة إيران وغزارة صواريخها ومدمراتها، إضافة إلى السرعة في استعادة السيطرة على القيادة والسيطرة، التي حاولوا سلبها لإيران، من خلال تأثير تكنولوجي على حساسات ومستكشفات أي خطر من جهة، إضافة إلى بروز عدد هائل من عملاء، انتظروا لحظة الصفر، لبث سمومهم والمشاركة في الحرب الدائرة، عبر مسيرات وصواريخ تستهدف مراكز ثقل ايراني من الداخل الايراني .
إذن لقد كان هناك سرعة في استيعاب كل ما يحدث في إيران من تدخل تكنولوجي وبشري، واستيعاب لفقدان قادة أساسيين وعلماء، والعمل على ملء الشواغر بسرعة، لينتقل التهديد بتغييرات في إيران، إلى فرصة زوال اسرائيل، عبر استهدافها بشكل مركز وتدميري كبير لمراكز حساسة، تملك إيران كثيراً من تفاصيلها .
التسارع الدراماتيكي في الاحداث، أجبر أميركا على التدخل المباشر، حفظاً لبعض ماء وجهٍ اسرائيلي، واستلحاقاً له قبل أن تتم إبادته، وهو ما حصل بالفعل عبر تدخل أميركي مباشر، بل واستهداف مراكز المفاعلات النووية الأكثر شيوعاً والتي تستخدمها إيران في التخصيب، لتبدأ إعلانات انتصارات أميركية، ونهاية أحلام نووية إيرانية، وغيرها من الدعايات التي تميل بالكفة دون سواها في بعض لحظات الحروب .
في المقابل كانت إيران تفاخر وتعلن عن انتصارات تحققها، خصوصا بعد استهداف قواعد أميركية في مرمى صواريخ إيرانية متجهة الى تلك الأهداف .
ليتم بعد ذلك إنهاء حرب لم تكد تبدأ معلنة انتصار أميركا من قبل الاميركيين، وإيران وصمودها من قبل الايرانيين من جهة أخرى، وكل يرى الانتصار ويحتفل به من وجهة نظره .
الثابت أن اسرائيل لم تُزَل اوتنتهي بعد هذه الضربات، بل تلقت ما هو قاس ومفاجىء من إيران، وأن إيران حافظت على معظم قدراتها، بل اغلبها، دون أن تتأثر بالضربات الإسرائيلية والأميركية، نتيجة اسباب عدة، اهما الجغرافيا الكبيرة، والقدرة على الدفاع السلبي الذي قامت به إيران لحماية منشآتها .
النتيجة التي يمكن الوصول اليها، هي بالعودة إلى أهداف ترامب التي تركزت منذ ما قبل قدومه على الحكم بفترة، سحق الأسواق العالمية والسيطرة عليها، وهي أمور تحتاج إلى هدوء عالمي، وهو ما يسعى ترامب إليه، كل ذلك يدل على تأجيل أو نسف أي عمل عسكري قادم في القريب من الايام، ربما لما بعد رحيل ترامب وقدوم آخرين إلى البيت الابيض، وربما تتم التضحية التي يبدو أنها لم تعد بالبعيدة، بأحجار شطرنج في ملعب ترامب، كنتنياهو أو زيلنسكي، بغية إرخاء الاستقرار المطلوب حالياً، وبعد أن لاقت محاولات عديدة برعاية ورضا اميركي، الفشل ولم تتوفق في خواتيم ناجحة .
يبدو أن فترة الهدوء الدولي ستبدأ بعد إزالة كل ما يمكن أن يشعلها، ويبدو أن القرابين الترامبية ستظهر للعلن، وتتم التضحية بزيلنسكي أو نتنياهو أو كليهما، أو إيجاد تخريجة أميركية لهما ولغيرهما، ويبدو أن خرائط تحالفات جديدة قد بانت بشائرها، ولا يمكن أن ينغص الهدوء القادم، سوى تبدل أميركي ترامبي، أو عصيان اسراىيلي اوكراني، أو ربما مستجدات في المقلب الآخر لجهة محور الممانعة، تخلق معها نظرة تفاؤلية كبرى وأملاً بأحلام ربما تتحقق .
حمزة العطار