محمد خواجوئي
الثلاثاء 1 تموز 2025
على الرغم من الخسائر التي ألحقتها الحرب بإيران، لكنّها لم تحقّق مكاسب استراتيجية لواشنطن وتل أبيب (أ ف ب)
طهران | مع مضيّ الأسبوع الأول على وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، تسود شكوك كبيرة في طهران حول إمكانية صموده، ومدى التزام إسرائيل به، فيما لا تلوح في الأفق بوادر واضحة لاستئناف المفاوضات النووية بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة. ومنذ صبيحة الثلاثاء الماضي، حين أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فجأةً، عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وما أعقب ذلك من تشديد المسؤولين الإيرانيين على قاعدة أنه «إذا أوقفت إسرائيل هجماتها العسكرية، فإن إيران ستوقف هجماتها أيضاً»، صار واضحاً أن أسباب الصراع لا تزال على حالها، علماً أن أيّ اتفاق مكتوب ومحدّد حول وقف إطلاق النار الهشّ أصلاً، لم يُوقّع.
وكانت التصريحات التي أطلقها وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أخیراً، وقال فيها إنه «وجّه الجيش لإعداد خطّة تنفيذية ضدّ إيران، تشمل الحفاظ على تفوّق إسرائيل الجوّي وتمنع طهران من التقدّم نوويّاً، ومن إنتاج الصواريخ»، حملت مؤشراً إلى أن العدو لا يريد أن يضع نهايةً للمواجهة التي يخوضها مع إيران، لا بل إنه يعتبر وقف إطلاق النار فرصةً للتخطيط من جديد لمواصلة الحرب، في ضوء الخبرات التي اكتسبها من مواجهة الـ12 يوماً.
وعلى الرغم من الخسائر التي ألحقتها الحرب بإيران، لكنّها لم تحقّق مكاسب استراتيجية لواشنطن وتل أبيب؛ ذلك أن البرنامج النووي الإيراني لم يُدَمّر بالكامل، فيما يمكن استعادته ثانية، ولا سيما أن مخزونات اليورانيوم ما زالت موجودة داخل البلاد. ومن هنا، رجّح المدير العام لـ»الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، رافاييل غروسي، أن تتمكّن إيران من البدء في إنتاج يورانيوم مخصّب في غضون أشهر.
وقال، في مقابلة مع قناة «سي بي إس»، إن «أضراراً لحقت بمنشآت إيران النووية جراء الهجمات الأميركية والإسرائيلية، لكنها لم تُدَمّر بالكامل، ولم تتكبّد خسائر كاملة». وتتناقض أقوال رئيس هذه الوكالة الأممية التي تشرف على الأنشطة النووية، مع مزاعم البيت الأبيض عن أن البرنامج النووي الإيراني قد تراجع عقوداً إلى الوراء. ويأتي ذلك فيما لا تزال طهران، إلى الآن، عند موقفها الرافض لتفتيش منشآتها المقصوفة، توازياً مع تبنّيها قانوناً علّقت بموجبه التعاون مع الوكالة.
أمّا البرنامج الصاروخي الإيراني الذي يمثّل أحد الهواجس الأخرى بالنسبة إلى الغرب، فلا يزال قائماً، خصوصاً أن إيران أَظهرت، حتى آخر يوم من حرب الـ12 يوماً، قدرتها على تنفيذ الضربات الصاروخية. كما استطاعت الجمهورية الإسلامية، على الرغم من اغتيال قياداتها العسكرية البارزة، وعلى الرغم كذلك من الهدف الجليّ لدى إسرائيل وأميركا، والمتمثّل بتطبيق مشروع «تغيير النظام»، الحفاظ على تماسكها، وتعزيز الانسجام الاجتماعي في البلاد.
«وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، ليس سارياً، بل إن الحرب توقّفت بشكل مؤقت»
ولعل كل ما تقدّم، يمكن أن يشكّل دافعاً لتل أبيب، مدعومةً من واشنطن، لمواصلة المواجهة مع طهران لتسوية حسابها معها ومع محور المقاومة، وهو ما سيدفع بمشروع «النظام الجديد» الذي يريد نتنياهو تسييده في المنطقة، نحو فشل ذريع، في حال عجز إسرائيل عن تحقيق أهداف مَهمّة عدوانية جديدة. وفي إيران، ثمّة تشاؤم يحوم حول إمكانية صمود وقف إطلاق النار، ما دفع المؤسسات العسكرية إلى أن تجهّز نفسها لكل السيناريوات.
وقال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، عبد الرحيم موسوي، الذي عُيّن في هذا المنصب خلفاً لمحمد باقري الذي قُتل في اليوم الأول من الهجوم الإسرائيلي، إن إيران «تشكّك تماماً» في وفاء إسرائيل وأميركا. وأشار موسوي، أول أمس، في مكالمة هاتفية مع وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، إلى أن طهران لم تكن البادئة بالحرب «لكنها ردّت على المعتدي بكل ما أوتيت من قوّة. وبما أنّنا نشكّك تماماً في تمسّك العدو بالتزاماته، بما في ذلك وقف إطلاق النار، فإنّنا جاهزون للردّ ردّاً قاصماً عليه إنْ تكرّر العدوان».
من ناحيته، قال العضو في «لجنة الأمن القومي» في البرلمان الإيراني، إسماعيل كوثري، إن «وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، ليس سارياً، بل إن الحرب توقّفت بشكل مؤقّت، وهذا يتوقّف على الطرف الآخر متى يريد استئنافها».
وفيما يبقى الصراع بين إسرائيل وإيران، ناراً تحت الرماد، فإن هناك غموضاً يكتنف الميدان الدبلوماسي أيضاً في شأن استئناف المحادثات النووية بين طهران وواشنطن. وفی هذا السیاق، أكّد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أن «مواقف الولايات المتحدة متناقضة وغير ثابتة وتتغيّر مراراً في اليوم الواحد ولا يمكن الثقة بها»، معتبراً أن هذا التناقض جزء من الحرب النفسية ضدّ إيران.
كما أكّد نائب وزير الخارجية الإيراني، مجيد تخت روانجي، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، «بي بي سي»، أنّه لا يمكن استئناف المحادثات الدبلوماسية مع واشنطن إلا إذا استبعدت الأخيرة تنفيذ ضربات جديدة على طهران. وقال تخت روانجي، في المقابلة التي بُثّت مساء الأحد، «نسمع أن واشنطن تريد التحدّث معنا»، مضيفاً: «لم نتّفق على تاريخ محدّد. ولم نتّفق على الآليات»، متابعاً: «نسعى إلى الحصول على إجابة على هذا السؤال: هل سنشهد تكراراً لعمل عدواني ونحن منخرطون في حوار؟»، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة «لم توضح موقفها بعد».
وفیما كان الرئيس الأميركي قال، الأسبوع الماضي، على هامش قمة «الناتو» في هولندا، إن مسؤولين أميركيين وإيرانيين سيجرون، الأسبوع المقبل، مباحثات؛ كما كان مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، قد أعرب عن أمله في التوصل إلى «اتفاق شامل للسلام مع إيران»، إلّا أن ترامب نفی، الأحد، إجراء أيّ محادثات مع إيران أو تقديمه أيّ عرض لها. وجاء ذلك في منشور له على منصته «تروث سوشال»، أعاد التأكيد خلاله أن الولايات المتحدة «محت تماماً» منشآت إيران النووية.