حسن حردان
يحمل عيد المقاومة والتحرير، الذي يُحتفل به لبنان في 25 أيار من كلّ عام، يحمل في هذا التوقيت دلالات عميقة وهامة، لا سيما مع تجدّد طرح البعض لمسألة «نزع سلاح المقاومة»، بعد العدوان الصهيوني الأخير وتعرّض المقاومة لعدة ضربات قاسية تمثلت في اغتيال قادة وكوادر، وفي الطليعة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله.
أولاّ، أهمية عيد المقاومة والتحرير:
يشكل عيد المقاومة والتحرير يوماً وطنياً، يحتفل فيه لبنان بانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من معظم الأراضي اللبنانية التي كان يحتلها.. على أنّ أهمية هذا الانسحاب تأتي من كونه جاء نتيجة لعمليات المقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية، من دون أيّ ثمن ولا شرط او مفاوضات أو اتفاقيات مع العدو الصهيوني. ولهذا يُعتبر هذا اليوم بمثابة انتصار تاريخي واستراتيجي للمقاومة والشعب اللبناني، أكد قدرة المقاومة الشعبية المسلحة على تحرير الأرض ودحر الاحتلال. لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني.
ثانياً، دلالات حلول عيد المقاومة والتحرير في التوقيت الحالي:
تكتسب هذه الذكرى أهمية خاصة في ظلّ الجدل الذي يثيره البعض في الداخل اللبناني، وبضغط من الولايات المتحدة، حول سلاح المقاومة والمطالبة بنزعه، بزعم انه لم يعد له من مبرّر بعد نجاح العدو في تحقيق بعض المكاسب التكتيكية باغتيال قيادات اساسية في المقاومة، وتدمير مناطق واسعة في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع، في هذا السياق يمكن التوقف عند الدلالات الآتية:
1 ـ السبيل لتحقيق السيادة والاستقلال الوطني وتحرير الأرض: يُذكّر عيد المقاومة والتحرير اللبنانيين جميعاً بأنّ المقاومة المسلحة وبالاستناد إلى دعم شعبي واسع، كانت هي الأداة الأساسية التي أدّت إلى تحرير معظم الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي… في حين عجزت الدبلوماسية عن فرض تطبيق القرار الدولي 425 القاضي بانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من جميع الأراضي اللبنانية إلى ما وراء خط الهدنة.. ولهذا فإنّ سلاح المقاومة يبقى ضرورة وطنية لاستكمال تحرير ما تبقى من أراض لبنانية محتلة، ولحماية السيادة الوطنية التي لا تستطع الدولة اللبنانية وحدها تأمينها بشكل كامل، إلا من خلال معادلة الجيش والشعب والمقاومة التي أثبتت فعاليتها في تحرير الأرض.
2 ـ الردع والموازين الإقليمية: تُظهر تجربة التحرير عام 2000، وحرب تموز 2006، أنّ المقاومة استطاعت فرض موازين قوى معينة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، مما منح لبنان قدرة ردع مهمة وفرت الحماية للبنان لنحو عقدين، واليوم رغم نجاح العدو في العدوان الأخير بتوجيه ضربة قوية لهذه المعادلة وعودته إلى سياسة الاعتداءات اليومية على لبنان فإنّ هناك من يحاول الترويج لعدم الرهان على المقاومة وقدرتها على إعادة فرض معادلة الردع.. وهم يتجاهلون عمداً انه في ظلّ غياب جيش لبناني قوي يمتلك القدرة على مواجهة التهديدات الإسرائيلية بمفرده، فإنّ المقاومة المسلحة تبقى هي السبيل الوحيد للشعب اللبناني، وخصوصا أبناء الجنوب، لمواجهة الاحتلال واعتداءاته…
3 ـ الذاكرة الشعبية والوطنية: هذا العيد يمثل جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية للشعب اللبناني، خصوصاً في الجنوب.. والاحتفالات الرسمية والشعبية تؤكد على أنّ المقاومة ليست مجرد فصيل مسلح، بل هي جزء من نسيج وطني واجتماعي يحظى باحتضان شعبي واسع، وهذا الاحتضان هو ما يجعل المقاومة المسلحة تستمرّ، ويحمي سلاحها والمطالبة ليكون جزء من استراتيجية أمن وطني يجب ان تقوم على قاعدتين:
الأولى، استكمال تحرير الأرض ومواجهة وردع الاعتداءات الإسرائيلية.
والثانية، خطة للدفاع عن لبنان بعد إنجاز تحرير كامل أراضيه المحتلة.
4 ـ الجدل حول «حصرية السلاح للدولة»: يطرح البعض فكرة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، ويدعو إلى نزع سلاح المقاومة.. في المقابل، فإنّ هذا الطرح لا يأخذ في الاعتبار الواقع الجيوسياسي للبنان، وقدرة الدولة على فرض سيادتها الكاملة على جميع أراضيها في مواجهة عدو لا يزال يحتلّ أجزاء من الأراضي اللبنانية (مزارع شبعا وتلال كفرشوبا) إضافة إلى التلال الخمسة، ويواصل انتهاكات للسيادة اللبنانية.. ولا يملك الجيش اللبناني القدرة وحيداً على مواجهة وردع جيش الاحتلال المدجج بأحدث الأسلحة الأميركية.
5 ـ الربط بين التحرير والمستقبل: إنّ عيد المقاومة والتحرير ليس مجرد احتفال بنصر كبير حصل في الماضي فقط، يجب أن تأخذ منه الأجيال العبر والدروس وتتعلّم منه، بل هو للتأكيد أيضاً على ضرورة الحفاظ على أسباب القوة التي أدّت إلى تحقيق هذا الانتصار. فالمقاومة يجب أن يقتنع جميع اللبنانيين بأنها هي أداة لمواصلة حماية لبنان وضمان استقلاله في وجه أيّ عدوان صهيوني مستقبلي، فكيف إذا كان هذا العدو لا يزال يحتلّ أجزاء من الأرض ويواصل اعتداءاته، وهو ما يؤكد أهمية وضرورة التمسك بالمقاومة وسلاحها.
باختصار، في هذا التوقيت الذي تتصاعد فيه الدعوات لـ «نزع سلاح المقاومة»، يأتي عيد المقاومة والتحرير ليُذكّر بالدور المحوري الذي لعبته المقاومة في تحرير الأرض واستعادة السيادة الوطنية.. وتمكين الدولة من بسط سلطتها في كل المناطق التي كانت غير متواجدة فيها في زمن الاحتلال، وهو ما يؤكد بأنّ سلاح المقاومة، ليس مجرد أداة قتالية، بل هو رمز للعزة والكرامة الوطنية وحماية لبنان في ظلّ استمرار الاحتلال واعتداءاته والخطر الصهيوني وأطماعه في الأرض والثروات اللبنانية، الأمر الذي لا يخفيه الصهاينة كلما شعروا بفائض القوة.. كما يحصل هذه الأيام.