شارل أبي نادر
عقب تعيين الجنرال الأميركي مايكل ليني رئيسًا للجنة المراقبة المكلفة الإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701، بدلاً من الجنرال جاسبر جيفرز، تساؤلات عدة طرحت نفسها على الساحتين اللبنانية والإقليمية، أهمها:
- هل يعبر هذا التغيير عن فشل لجنة المراقبة الخماسية في مهمتها، وبالتالي سوف نشهد مع التغيير تغييرًا عمليًا يكبح جماح جرائم الـ.ـعـ.ـدو "الإسرائيلي" في لبنان؟
- أم هل يكون هذا التغيير فقط في رئيس اللجنة، فيما تتابع اللجنة عملها غير الفعال وغير المجدي، وبالتالي تتابع " إسرائيل" جرائمها وتجاوزها لكل البنود التي التزمت بها حين وافق لبنان وحــ.ـزب الله على وقف إطلاق النار وعلى العمل لتنفيذ القرار 1701؟
- أم هل تكون أهداف هذا التغيير أبعد من الساحة اللبنانية وتحديدًا من الساحة الجنوبية المعنية مباشرة بتطبيق كل مندرجات القرار 1701، لتصبح منصة تفاوض بهـ.ـدف تطوير العلاقة بين لبنان والـ.ـعـ.ـدو "الإسرائيلي"، وتحديدًا لتكون منصة تحضير لمفاوضات تطبيع بين لبنان والكيان؟
أولاً: لناحية إمكانية أن يؤدي تغيير رئيس اللجنة إلى تطوير عملها وصولاً إلى الضغط على "إسرائيل" لوقف جرائمها وتجاوزها بنود اتفاق وقف إطلاق النار والانسحاب من التلال الخمس ومحيطها، والتي ما زالت تحتـ ـلها في لبنان، يبقى هذا الأمر واردًا وغير بعيد عن التنفيذ، والسبب في ذلك يمكن تلخيصه في نقطتين:
الأولى: أن مسار عمل اللجنة الفاشل برئاسة جيفرز، ضرب مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية كراع وضامن للاتفاق، وجعل موقف الإدارة الاميريكة ضعيفًا أمام رئيس حكومة الـ.ـعـ.ـدو، وبالتالي رأت هذه الإدارة في تغيير رئيسها بابًا لتغيير عملها وإنقاذ سمعتها ومصداقيتها التي أصابها نتنياهو.
الثانية: من الممكن أن يحمل هذا التغيير في رئاسة اللجنة، وبالتالي التغيير في مصداقية عملها حيال تطبيق الاتفاق ولجم الـ.ـعـ.ـدو "الإسرائيلي"، ترجمة لتغيير أوسع في الإستراتيجية الأميركية بعد تقدم معين (قد يكون قد حصل دون الإعلان عنه حتى الآن) في مفاوضاتها مع إيران، وبالتالي رأت واشنطن عدم الحاجة بعد اليوم لتوسيع مروحة الضغط على إيران في المفاوضات معها، لتذهب نحو وقف إطلاق يد "إسرائيل" في اعتـ.ـداءاتها على لبنان.
ثانيًا: لناحية أن يقتصر التغيير على رئيس اللجنة فقط دون أن يؤدي إلى أي تغيير لناحية فعالية عملها، فهذا الأمر أيضاً يبقى واردًا، وتحت عنوانين:
الأول: يكون ترجمة حقيقية لوجود تواطؤ أميركي مع كيان الاحتـ ـلال، حيث تغطي واشنطن جرائمه وتجاوزه لبنود الاتفاق واستمرار احتـ ـلاله لمناطق جنوبية لبنانية، ويكون هذا التغيير إجراء روتينيًا إميركيًا، لا تأثير فعلي له في عمل اللجنة، ويكون عمليًا بمنزلة استمرار الدعم الأميركي لمشروع "إسرائيلي" هادف إلى إطالة وقت احتـ ـلاله لمناطق لبنانية واستغلال ذلك لمتابعة مناورته للقضاء أكبر قدر ممكن على بنية حــ.ـزب الله العسـ.ـكرية.
الثاني: يدخل هذا الأمر (تغيير رئيس اللجنة فقط دون أي تغيير في فعاليتها) ضمن متابعة الضغوط الأميركية على إيران في المفاوضات الحالية، على اعتبار أنه يطاول (حسب الادعاءات الأميركية و"الإسرائيلية") أحد أقوى أذرع إيران في المنطقة- أي حــ.ـزب الله - وهذا أساسًا يدخل ضمن البنود الأساسية في مفاوضات واشنطن مع طهران حالياً، وفي مكان ما، يعطيه الأميركيون و"الإسرائيليون" أهمية مماثلة للموضوع النووي الإيراني.
ثالثًا: لناحية أن يكون التغيير مدخلًا لتغيير وجهة عمل اللجنة لتصبح منصة تفاوض تحضيرًا لمفاوضات تطبيع بين لبنان والـ.ـعـ.ـدو "الإسرائيلي"، يبقى هذا الأمر أيضاً واردًا وغير مستبعد، لا، بل يحمل الإمكانية الأكبر بين الاتجاهات الأخرى المذكورة أعلاه؛ حيث التطبيع مع لبنان كان دائمًا هـ.ـدفًا إستراتيجيًا للكيان، أبعد من أهدافه التكتيكية الأخرى وأهمها نزع سـ.لاح حــ.ـزب الله وإنهاء بنيته العسـ.ـكرية، وطالما كان الـ.ـعـ.ـدو يعمل دائمًا على ربط أهداف ونتائج اعتـ.ـداءاته وحملاته على لبنان، بالتوصل إلى فرض اتفاقات (سلام) كما ادعى، حين حاول بعد اجتياح لبنان عام 1982 فرض اتفاق سلام معه، يبدو أنه اليوم يخطط لفرض اتفاق مماثل لمحاولته الفاشلة عام 1982، مستغلًا وضعًا لبنانيًا صعبًا، من ناحية التحديات الضخمة التي فرضتها إعادة إعمار ما دمره في لبنان قصدًا، وربطها إقليميًا ودوليًا بسـ.لاح حــ.ـزب الله، ومن ناحية تعالي أصوات لبنانية داخلية، لم تكن بعيدة في تاريخها السياسي عن فكرة التطبيع مع الـ.ـعـ.ـدو وإنهاء حالة الحر ب معه.