يكتبها : محمد علي الحريشي
لم يكن العدوان الصهيوني الجديد على غزة، سوى نتيجة لأوضاع داخلية متأزمة تعيشها ماتسمى بدولة «إسرائيل». التداعيات داخل كيان العدو المحتل، ترجع إلى عدة أسباب، منها: تركيبة حكومة ناتنياهو التي يغلب عليها طابع اليمين المتطرف، بسبب صعود أحزاب يمينية متطرفة إلى الكنيست الصهيوني، لها توجهات عنصرية متطرفة. من بعد عملية سيف القدس، لم يستطيع أي حزب صهيوني تحقيق أغلبية مريحة في مجلس الكنيست، الذي يتكون من مائة وعشرون عضواً. الفشل السياسي المتعاقب في عدم حصول أي حزب صهيوني على الأغلبية النيابية داخل الكنيست خاصة «حزب الليكود» و«حزب العمل» هو فشل العدوان على قوى مقاومة حزب الله اللبناني وقوى المقاومة الفلسطينية، فتراجع الحزبان في الحصول على مقاعد كافية في مجلس «الكنيست الصهيوني»، الإخفاقات الحكومية الصهيونية في تحقيق أهداف العدوان على جنوب لبنان عام 2006 وصمود الشعب الفلسطيني في العدوان الصهيوني عليه، في عملية سيف القدس. فشل تحقيق حكومة الإحتلال، ولد قلقاً شعبياً داخل الكيان المحتل،الذين يعيشون الهاجس الأمني الوجودي كمحتلين وغاصبين ومعتمدين على الحماية الأمريكية والغربية، متى مافشلت حكومة الإحتلال من تحقيق أهداف أي عدوان على الشعب الفلسطيني، أو على مقاومة حزب الله اللبناني، فإن الخوف ينتشر في صفوف قطيع المستوطنين، وتنعدم الثقة بالنخبة السياسية التقليدية التي تتداول الحكم داخل «إسرائيل»، وهما قيادات حزبي الليكود والعمل. إنعكس القلق الشعبي الصهيوني في نتائج إنتخابات الكنيست، فتراجعت مقاعد الحزبين -الليكود والعمل- على حساب تصاعد مقاعد أحزاب اليمين المتطرف. بدأ المجتمع الصهيوني يشهد الإنقسامات الداخلية، والتجاذبات السياسية بين الفئات المتصارعة التي تتضارب مصالحها. جاء طوفان الأقصى على وقع نار هادئة تحت رماد المجتمع الصهيوني غير المتجانس،فكانت عملية الطوفان كرياح عاصفة أزاحت الرماد من فوق الجمر، وأججت الخلافات، فلم يكن المجتمع الصهيوني متعود على حرب متوسطة أو حرب طويلة المدى. كانت الحكومات الصهيونية السابقة تشن حروب خاطفة، قصيرة الأجل، تتحقق فيها الإنتصارات العسكرية والسياسية،وينتج عنها تماسك المجتمع الصهيوني المتشضي. بدأت الموازين بالتحول- داخل المجتمع الصهيوني- من عام 2006، أي من بعد عملية «عناقيد الغضب»، التي شنها الجيش الصهيوني ضد مقاومة حزب الله اللبناني، في عهد رئيس الوزراء الصهيوني «شمعون بيريز»،وكان لخطابات سيد المقاومة الشهيد المجاهد السيد حسن نصر الله-رضوان الله عليه- الأثر الكبير في رفع معنويات نفوس المجاهدين والمناصرين لحزب الله،وكان لكلماته الوقع الكبير بالخوف والقلق على نفوس المستوطنين وجنود الإحتلال. منذ ذلك التاريخ، والمجتمع الصهيوني يشهد إنقسامات حادة، تزداد وتيرتها، كلما حققت حكوماته إخفاقات وفشل في إسكات قوى المقاومة، التي غيرت من تكتيكاتهتا القتالية، وبدأت تعتمد على نفسها في تصنيع أسلحة، كانت بداياتها بسيطة، سخر منها العدو، ثم تطورت حتى وصلت نيرانها إلى قلب كيان العدو. المجتمع الصهيوني يعيش الخوف والقلق والمصير المجهول، وكلما زادت الإمكانيات العسكرية والتكتيكات القتالية لقوى المقاومة، فإن ذلك يدخل اليأس والشعور بالقلق في صفوف المستوطنين. عقب توقيع إتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بين كيان العدو المحتل والمقاومة الإسلاميّة الفلسطينية، بوساطة قطرية مصرية، كانت لحظة توقيع الوفد المفاوض الصهيوني للإتفاق في الدوحة، هي بداية تفجير الخلافات بشكل أشد داخل المجتمع الصهيوني، لأنهم خدعوا بشعارات حكومتهم وإدعاءها بالقضاء على حركة المقاومة الإسلاميّة الفلسطينية، هذا ماعبر عنه وزراء من اليمين المتطرف الصهيوني، الذين رفضوا الإتفاق ورأوا فيه هزيمة مذلة لكيان العدو، تهدد وجوده الإستيطاني، وزاد الطين بلة، داخل المجتمع الصهيوني المتأزم، الظهور العسكري القوي لعناصر حركة المقاومة الإسلاميّة الفلسطينية، لحظات تسليم الأسرى اليهود عبر صفقة تبادل مع حكومة العدو. ذلك المشهد هو الذي فجر الصراعات والقلق داخل المجتمع الصهيوني. مع وصول تاجر الشنطة «ترامب»، إلى سدة الحكم في أمريكا، لاحت الفرص، أمام رئيس حكومة العدو المحتل، للهروب من الواقع الصهيوني المأزوم والمتفجر، ليتعلق بخيوط «ترامب» الواهية ويتشبث بها، هروباً من بركان شعبي على وشك الإنفجار داخل دولة الإحتلال الصهيوني. اللوبي اليهودي الصهيوني داخل أمريكا، على معرفة بالأوضاع المتأزمة في فلسطين المحتلة، لذلك هيأوا الرئيس الأمريكي «ترامب»، ليقوم بدور المنقذ للشعب اليهودي من الإنفجار والتشضي، فقام بماقام به من حركات إستعراضية لتهجير الشعب الفلسطيني من غزة، وإظهار دعمه الكامل لحكومة ودولة الكيان المحتل. كل تلك الحركات الدراماتيكية، كان الهدف الأول منها، تماسك الجبهة الداخلية الصهيونية، ومنع إنفجار الأوضاع. رفضت المقاومة الإسلاميّة الفلسطينية المخططات الأمريكية، ورفضت مصر مخططات التهجير، وفشل الرئيس الأمريكي في منع تفجير الأوضاع داخل «إسرائيل». فقامت أمريكا بعرض حركات إستعراضية ضد اليمن، لعله يخضع للحرب الإعلامية والعسكرية الأمريكية، ويحقق منها شئاً ما، لتحييد الجبهة اليمنية المساندة، لعلى ذلك يهدىء من روع «شعب إسرائيل». فشلت مخططات الرئيس الأمريكي «ترامب» من بدايتها، وظهر اليمن قوياً متماسكاً، لم تمر ساعات قليلة من بداية العدوان الأمريكي، حتى ردت القوات المسلحة اليمنية بهجوم صاروخي وطيران مسير على حاملة الطائرات الأمريكية « U S s هاري ترومان» وبوارجها المرافقة في شمال البحر الأحمر. إرتكب رئيس حكومة العدو المحتل حماقة غير محسوبة العواقب، المثل يقول «بدل ماكحلها أعماها»، راهن ناتن ياهو على مفعول العدوان الأمريكي ضد اليمن، ليحقق أهدافه. وفي نفس اللحظة، أبرم إتفاقاً مع اليمين الصهيوني المتطرف، تم بموجبه الإتفاق على عودة وزيرين متطرفين ا إلى الحكومة وهما« بن غفير». «وسموتريتش» مقابل تهدأة اليمين الصهيوني المتطرف داخل كيان العدو. كان الثمن، تفجير العدوان مرة أخرى على قطاع غزة، تلبية لرغبة المتطرفين اليهود، الذين رفضوا توقيع إتفاق وقف إطلاق النار في غزة. فشل الأمريكي في تحييد الجبهة اليمنية، والمقاومة الإسلاميّة الفلسطينية لم تتراجع عن مواقفها الرافظة للمخططات الأمريكية،..... ماهي النتيجة؟. سوف تزداد جذوة الصراعات داخل المجتمع الصهيوني، هذا الذي حدث عقب إقالة رئيس الشاباك الصهيوني من قبل ناتنياهو، وتم حجب الثقة عن المستشارة القضائية داخل الحكومة الصهيونية، التغييرات التي أحدثها ناتنياهو، جاءت على حساب ترجيح كفة فئات داخل المجتمع الصهيوني على حساب مصالح فئات أخرى. اليمن هو الذي سوف يدق مسمار إنهاء الوجود الصهيوني من فلسطين، والنفوذ الأمريكي في المنطقة، ولن يتراجع عن مواقفه مهما كانت التهديدات والتحديات والمصاعب.