الاخبار: ابراهيم الامين
أعادوا فيها تثبيت الموقف من رفض تهجير الفلسطينيين.
في القاهرة، لا يختلف الوضع كثيراً، لكنّ مصر ليست الأردن. وقد وجد الرئيس عبد الفتاح السياسي أن من الأفضل عدم التعرض للإحراج أساساً، فبدأ في إرسال إشارات حول تأجيل موعد زيارته للعاصمة الأميركية، ثم الحديث عن رهنها بتراجع ترامب عن مشروعه لتهجير أبناء غزة، قبل أن يدعو إلى قمة عربية عاجلة لإصدار موقف عربي جامع يتسلّح به في مواجهة الخطة الأميركية. فيما يشهد الشارع المصري غلياناً، ليس تضامناً مع الفلسطيين فقط، بل لشعور المصريين بأن بلادهم مهددة هذه المرة بصورة مباشرة. ويبدو واضحاً أن الحكم في القاهرة مهتم أيضاً بتعبئة الشارع، وصولاً إلى الحديث عن احتمال وقوف النظام خلف تظاهرات شعبية كبيرة في كل محافظات مصر رفضاً لمشروع ترامب.
في السعودية تبدو الصورة أكثر ضبابية. فالرئيس الأميركي لم يعدل في نظرته إلى المملكة كمجرد «دجاجة تبيض ذهباً»، عليها أن تدفع له مقابل الحماية التي يقدمها، سواء لاستقرار حكم محمد بن سلمان داخلياً، أو في مواجهة من تعتبرهم الرياض أعداء الخارج. والواقع أن السعودية تعيش قلقاً جدياً إزاء الوضع في كل المنطقة بعد الحرب على غزة ولبنان، وبعد التغيير في سوريا.
وقد عبّر مسؤولون في الخارجية السعودية صراحة، أمام وفود عربية وأجنبية، بأن التطبيع مع «إسرائيل» ليس وارداً ما لم تقرّ بحل الدولتين. وفيما تتصرف السعودية وكأن الأمر يتعلق بمشكلتها مع «إسرائيل»، فإن التحدي صار مختلفاً مع تولي ترامب الأمر بأكمله، إذ يريد من السعودية استقبال الفلسطينيين أو تمويل مشاريع توطينهم في الأردن ومصر ودول إسلامية في أوروبا الشرقية.
ما يتجاهله حكّام النظام الرسمي العربي اليوم أنهم يدفعون ثمن صمتهم عن الجريمة الكبرى التي تُرتكب بحق أبناء غزة، وتصفيقهم - بل ومساعدتهم - للعدو في حربه ضد المقاومة في فلسطين ولبنان، وتصرفهم بأن هذه الحرب تستهدف عدواً مشتركاً لهم و«لإسرائيل».
أكثر من ذلك، فإن تقاعس هذه الدول عن لعب دور محوري في إعادة إعمار غزة، وجعلها مكاناً صالحاً للحياة، لم يتبلور بصورة جدية بعد. ويبدو أن العرب الذين يستعدون لإنفاق 1500 مليار دولار في استثمارات في الولايات المتحدة في السنوات الخمس المقبلة، ليسوا على استعداد لصرف 50 مليار دولار لإعادة إعمار غزة وجنوب لبنان. وهم يعرفون، عملياً، أنهم سيدفعون الثمن مرتين، مرة عندما راهنوا على العدو وصمتوا عن الجريمة، ومرة أخرى عند محاولة تجنّب الغضب الأميركي القائم حالياً.
«لعنة فلسطين» لا تصيب الصهاينة والأميركيين فقط، بل كل من يعتقد أنه قادر على العيش آمناً بعيداً عن واجب المقاومة، ليس من أجل أهل فلسطين، بل من أجل كل من يعيش في منطقة يوجد فيها كيان مثل «إسرائيل»!