عمر نشابة
السبت 1 شباط 2025
يتردّد الكلام بين الناس عن انطلاق دولة الدستور والمؤسسات بعد انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، وبعد تكليف الرئيس السابق لمحكمة العدل الدولية بتشكيل الحكومة. وتُرفع شعارات تنوّه بالرئيسين وكأنهما انتهيا من إصلاح كل مشكلات البلد، بينما لم تشكل الحكومة حتى لحظة كتابة هذا النصّ، ولم يصدر البيان الوزاري، ولم يمنح مجلس النواب الثقة للحكومة.
لا بأس بتفاؤل الناس بمستقبل أفضل، لكن ماذا لو ذاب الثلج وبان المرج؟ فالمشكلة قد تقع عندما تخيب الآمال وتتراجع حماسة الشعب العنيد الذي يريد القضاء على الفساد، وعلى منظومة الحكم السابقة بين ليلة وضحاها.
طبخة تشكيل الحكومة في لبنان لم تخلُ يوماً من التعقيدات والتدخلات والانفعالات والحركات البهلوانية التي يمتزج فيها السياسي بالطائفي بالاقتصادي، وتتدخل فيها السفارات والبعثات الديبلوماسية و«عواصم القرار» الأجنبية والحضن العربي والأحضان الأخرى. لكن اللافت في العهد الواعد هو ادعاء بعض داعميه باحترام الدستور والمؤسسات.
وفي هذا الإطار لا بد من طرح بعض الأسئلة لمن يهمه فعلاً الدستور، ولمن يحرص صدقاً على مؤسسات الدولة:
1. بعد احتلال جيش العدو الإسرائيلي جزءاً من لبنان وقتل وجرح وتهجير آلاف اللبنانيين وتدمير بيوتهم والمدارس والمستشفيات والبلديات والبنى التحتية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت والجبل، ألا يُفترض، احتراماً لمكانة الدولة، أن تُعلن حالة الطوارئ؟ ألم تُعلن حالة الطوارئ في مدينة بيروت بموجب المرسوم رقم 6792 عقب انفجار المرفأ؟ وهل القتل والتدمير في الجنوب والبقاع والضاحية أقل خطورة وأذية من ذلك الانفجار؟
2. في ظل الظروف التي يمر بها لبنان واستمرار العدو الإسرائيلي في احتلال أجزاء من جنوب البلاد وتماديه في اعتداءاته على المواطنين وعلى الجيش اللبناني وعلى المنشآت العامة والخاصة، وبما أن رئيس الجمهورية مؤتمن على سلامة الأراضي اللبنانية (المادة 49)، ألا يُفترض، احتراماً للدستور وللمؤسسات، أن يدعو رئيس الجمهورية مجلس الدفاع الأعلى للانعقاد بشكل طارئ للبحث في مواجهة الاعتداءات والاحتلال؟
3. رُفعت عدد من اليافطات والإعلام والصور في طرقات معظم القرى والمدن والبلدات اللبنانية تقدّم الجيش على الشعب والدولة، ربّما لأن رئيس الجمهورية كان قائداً للجيش. لكن، احتراماً للدستور، ألا يفترض أن يكون الشعب هو مصدر السلطات، وبالتالي ألا يفترض أن يتقدم على الدولة وعلى الجيش؟ كما أن الدستور يحدد مجلس الوزراء مجتمعاً كأعلى سلطة في الدولة اللبنانية، لذا ألا يفترض أن تتقدم الدولة على الجيش؟ وهل يمكن تصحيح الشعار ليكون الشعب، الدولة، الجيش؟ ويمكن إضافة المقاومة علماً أن مقاومة الاحتلال يفترض أن تكون واجباً وطنياً وأخلاقياً للشعب والدولة والجيش معاً.
4. إذا تمكّن الرئيس المكلّف نواف سلام من تشكيل حكومته والإعلان عنها، هل سيتسلّم الوزراء الجدد الوزارات قبل منح مجلس النواب الثقة للحكومة كما تجري العادة وخلافاً للأصول؟ علماً أن اعتبار ثقة مجلس النواب تحصيل حاصل إنما هو ضرب لأسس النظام الديموقراطي الذي يفصل السلطات عن بعضها بهدف الإتاحة للمراقبة والمساءلة والمحاسبة.
يعلق الكثير من اللبنانيين آمالاً على الرئيسين جوزيف عون ونواف سلام، ويَنتظرون منهما إصلاحات ومعالجة المشكلات التي يعاني منها البلد. هل يمكن أن ينجحا في تنفيذ مهماتهما الدستورية أم أن الشكليات ستتقدم على الإنجازات، والتدخلات الخارجية ستتفوق على الوحدة الوطنية، وسيتمكن الفساد مرة جديدة من تجاوز كل الاعتبارات والشعارات والآمال؟
يمكن القول إن البداية لم تكن موفّقة وواعدة، ودلّت على تركيز اهتمام الرئيسين على الاتصالات الدولية والإقليمية أكثر من اهتمامهما بجزء من الشعب يمرّ بأكثر المراحل إيلاماً بعد فقدانه الأرواح والبيوت وجنى العمر. ألا يفترض أن يزور جميع المسؤولين في الدولة ذوي الشهداء في الجنوب والبقاع والضاحية؟ أليس بين الشهداء أطباء ومسعفون وأعضاء مجالس بلديات منتخبون وأطفال وضباط وعسكريون في الجيش؟ ألا يستحق هؤلاء اهتماماً أكبر من الاهتمام بسفراء يتدخلون بشكل سافر في تشكيل الحكومة؟