جولة الصراع في المنطقة الأخطر في التاريخ.. والغرب يعود لتطبيق استراتيجية الهيمنة الكاملة لمساعدة اسرائيل
د. بلال اللقيس
أمكن القول إن هذه الجولة هي الأخطر في تاريخ الصراع مع الغرب وأداته الصهيونية في منطقتنا، وهي مفصلية لجهة امكانية بقاء هيمنتهم وإعادة استيلادها أو زوالها وانتهائها.
طويلة هي هذه الجولة وقد تطول أكثر وتأخذ فصولاً وأطواراّ مختلفة بعد وتتنقل بين ساحات متعددة وتأخذ في كل ساحة أشكالاً عدة، ميزة هذه المعركة أنها تتحوّر ما احتاج الجسم بعض الوقت ليتعرف على الفيروس ويفك شيفرته لمواجهته. الفيروس سريع الانتشار كثير التحور لكنه يذهب إلى الخلايا الضعيفة في الجسد حتى لو لم تتصد له ولم تقم بهذا الدور .
الناظر يمكنه القول ان ما نراه من دعم غربي بلا شروط لاسرائيل يوحي وكان الغرب امام الفرصة النادرة او “فرصة العمر” لإعادة استنقاذ مشروعه الذي تعثر وتراجع خلال العقدين الأخيرين. منطقتنا هي بوابة استراتيجية ضرورية لميزان الهيمنة العالميه ولن يكون للغرب ذلك إذا لم يحقق نصرا مطلقا كما ذكر نتنياهو .
إن أي نصر نسبي او غير مطلق سيعيدهم إلى مربع الاستنزاف والدوران في الفراغ والإرهاق ويبعدهم عن تمدد هيمنتهم لا سيما ان البيئة الدولية تتغير وهناك اجندة عالمية واولويات واستحقاقات تفرض نفسها على الغرب نفسه. فاحتواء
الصين يبدأ بانتصار إسرائيل وإمساكهم بالمنطقة اولا كما تتبنى بعض قراءاتهم الاستراتيجية. اي فشل لهم يعني أن إمكانيات التقاطع والتفاهمات سينمو بشكل مضطرد بين القوى المناوئة للهيمنة الغربية وسيذهب المناوؤن لماسية علاقاتهم البينية، ولأن هذه الجولة بهذه الأهمية الوجودية ، لاحظت شعوب العالم كيف تخلى الغرب عن استراتيجيات القوة الناعمة واهملها وعاد الى أصله وطبيعته الأولى – طبيعة التوحش والبقاء للأقوى ونيتشه وفرويد وتمجيد القوة على حساب الحقوق والقيم والقانون، هو أمات كل شيء وكل قيمة إنسانية وخلا بنزعة القوة وشرهه بها – . استراتيجيات المناورة و الترف “القوة الناعمة” وغيرها ليست ذات فائدة تذكر الان، هي لم تكن أكثر من استراتيجيات تورية ووجه تنكري، فالأخلاق والقوانين والحقوق وسائل وليست غايات الوقت قاتل!!.
ان استطالت الجولة وليس من مصلحته، شعوبهم من جهة وجمهور الكيان الصهيوني تعبت وحماستها وانفعالها بتراجع امام تعقيد الواقع، اما معركة الأجيال واليقظة فلا تسير لصالحهم والمعركة العسكرية لا تزال بعيدة جدا عن اهدافها المعلنة والمضمرة واليوم الثاني غير واضح وضبابي ، وأوروبا كما اميركا امام نذر تحولات داخلية وامكانيات اضطراب اجتماعي ناتج عن شيخوخة المنظومة الفكرية والاجتماعية ونقد شعوبهم وتوسع الهوة مع حكوماته.
لقد تثبت ان نظريتنا اقوى من سردياتهم .
لذلك يخوض الغرب المعركة بخلفية تحقيق النصر المطلق والنهائي!! فالحرب الجارية فصولها في فلسطين (غزة فالضفة) فلبنان فسوريا فاليمن وربما بعد مدة العراق وإيران فلا مناص إلا باستمرارها والا يتشظى ما تبقى من تحالفات وهيكل وحدة في الكيان. الكيان يقوم بمغامرة وجودية ولعب ورقة العمر، يحاول أن ينجز ما عجزت عنه أميركا في غزو أفغانستان والعراق في ذروة القوة الأمريكية . إسرائيل اليوم في مغامرة او مقامرة اشبه بوجودية إما تمدد فعلي او فقاعات تمدد يتبعها تقلص وجزر.
إلى الساعة نراها تتمدد عسكرياً لكن لا يبدو واضحا مسايرة “المجتمع” لما تقوم به ولا نرى المساحة بين العسكري والقرار السياسي والمجتمع مملوءة بل تراها منفلتة وتعوزها الثقة لا بل يصل الأمر إلى الهوة في القوة العسكرية نفسها بين القوة النارية والهدف الاستراتيجي الممكن، لذلك تراها تلهث دون وضوح او اقتراب لبلوغ النتائج الثابتة، فمثلاً هي تمددت في غزة وبدا الرأي العام الإسرائيلي يتحول والجيش يصرخ والخارج الغربي يتململ وانتهى الأمر بوقف حرب مذل وهي لا زالت تتهدد لبنان لكنها لم تستطع أن تقنع المستوطنين بالعودة رغم الإغراءات المالية الكبيرة وغدا ستضطر للانسحاب من لبنان ايضا دونما صورة ومشهدين انجاز حقيقي وهي لم تقنع اليهود في الخارج بالعودة بل يلاحظ العودة عكسية واسئلة المستقبل والقلق تزداد والتحديات تكبر بدل ان تتقلص وتصغر، وتراها تقاتل بفرط قوة سكرية ودون ضوابط لكن آثار ونتائج فعلها صارت تبعاته كارثية عليها (علاقاتها الخارجية وصورتها في الخارج والملاحقات القانونية لضبابها في كل دولة) ولم تأت بالطمأنينة والامل لقاطنيها ولا نصرا مطلقا في الأفق فضلا عن نصر استراتيجي. لذلك هي في أمر ظاهره المدّ الفيزيائي المادي وحقيقته جزر الفكرة الاجتماعية والثقة ممن هم في الداخل والخارج.
صحيح أن يد الغرب القذرة ضربت في كل ساحاتنا لكن مقاوماتنا لا زالت حية كلها وقادرة وأكثر تصميما وتجذّرا ومشروعية.
الغرب الآن وأداته “إسرائيل” يعيشون شعورا مختلطا ومعطيات متهافتة، هل هم الآن أقوى في المنطقة أم أضعف، وهل إسرائيل أقوى أم أضعف. وعادوا إلى أحجية : ان مزيدا من الخطوات العسكرية يعني الفوضى وتهديد امن الطاقة وممراتها والخطوط الجيواقتصادية الموعودة بين الشرق والغرب وما يخلفه ذلك من موجات النزوح والحروب التي لا نهاية لها ولا منتصر فيها، اما التوقف حيث وصل الان فهي مشكلة وكارثة حيث لا زالت تفصله مسافة طويلة عن أهدافه فتضيع الفرصة .يبقى أمامه ورقة ضغط مدروس وممنهج يستكمل بها الحرب العسكرية لتحسين أوراقه في كل ساحة من ساحات المواجهة. فقد يعمد الى تشديد الضغوط على ايران لتحسين شروطه على طاولة التفاوض، لكن تبقى هذه الاستراتيجية غير مضمونة النتائج ، ما يجعل امكانية ان يكمل جنونه و يذهب لخطوة عسكرية كبيرة تطال النووي والقدرة العسكرية وإقتصاد ايران امكانية ممكنة ، سيقول الأيديولوجيون لترامب لا خيارا آخر ودون هذه الخطوة نكون كمن ركض وارهق نفسه ولم يصل إلى الغاية . الأشهر المقبلة مليئة بالضغوط وفي غير ساحة: ساحات ستكون امام “مارشال” رغم فوارق الظروف والحيثيات وبمعزل عن نجاحهم بهذه المقاربات او لا اذ سيعمدون على سياسة انفتاح واحتواء ناعم وفي ساحات اخرى قد نكون امام ضغوط وفي ثالثة ربما نكون امام تحضر لحروب ولا زال المشهد غائما ويتقلب عندهم وكل اتجاه يشد لمصالحه في الغرب واميركا والكيان . قد تكون سنة 2025 أكثر سنوات المنطقة والعالم مفاجآت . ويبقى لترامب الرئيس طريقته في التعاطي مع العالم ونظرته الخاصة والتي ستؤثر على كامل الواقع في المنطقة والعالم والتي سينشأ عنها بيئة ستحمل الكثير من التهافت وتناقض مصالح والشك لا سيما لا سيما عند اعدائنا وخصومنا ، بيئة ستشهد تعاكس أجنداتهم ، التي لا تتقارب لولا وجود جبهة المقاومة.
كأن المطلوب من شعوبنا الان هو الصمود والوعي وحسن التكيف مع بيئة دولية دون تنازل عن الثوابت وإبقاء العدو ما امكن في صراع استنزاف فقد اقترب من الإرهاق. ان في الحرب العالمية الثانية مثلات كثيرة واوجه شبه عديدة مع من يقود الكيان الصهيوني إلى الهاوية بادعاء الانتصارات. الاحداث والمسارات ستظهر بشكل اكبر تناقضات مصالح الكيان مع رعاته الدوليين الغربيين ومع حلفائه العرب، فالذي يريد ضرب إيران واضعافها يفترض عليه أن يخفف عن العرب بالملف الفلسطيني ويعترف بحل الدولتين!! ومن يريد أن يسقط اليمن يحتاج إلى التعاون مع دول الخليج ومصر لا ان يستفزهم بالإسلام السياسي في سوريا او بسعيه الدؤوب لتقسيم سوريا، ومن يريد إبعاد إيران عليه أن يفتح الطريق لتركيا في سوريا ثم بقية الدول العربية وأن لا يتحدى مصالح تركيا بعدم تقسيم سوريا ودعم الأكراد واحتلال الارض ، ومن يريد الدعم من حكومات الغرب يفترض انه يراعي التحولات الجارية في الغرب والإستياء الاجتماعي، ومن يريد أن يضرب إيران ويقلص حضورها يفترض ان لا يبعد روسيا ويستفز مصالحها وما تبقى لها في المنطقة . ومن يريد حماية مصالح الغرب الأوروبي يفترض ان لا يسهم في الفوضى في سوريا بما يؤثر على ممرات الطاقة من الخليج إلى القارة العجوز ومن يظن أن العسكرة تحسم فهو واهم ولم يقرأ تاريخ المنطق وشعوبها فالعسكرة قد تفقدك معركة الاجيال والمستقبل ومن ومن …
إن المناورة السياسية من دولنا المناوئة لاميركا وصمود قوى المقاومة في مختلف الساحات وحسن توزيع أدوارها لإستنزاف العدو وإجهاد جيشه وإفشاله عن بلوغ أي من أهدافه الفعلية بدأ ياتي بالمفاعيل وينتج الاختلافات في مسارات ومصالح كل من أطراف التحالف الأمريكي – الأوروبي- الإسرائيلي -العربي وستزداد الافتراقات لتصل الى تناقضات.
الجولة طويلة ، نعم . ومساحتها المنطقة وابعد ، نعم . لكن التوقعات منها لا تزال مفتوحة وبالاتجاهين، والتباين بين ما يظهر من غرور الـ قوة وبين الاهداف يزداد جسره صعوبة اما “الاهداف وآثارها” فقد تصل إلى حد من يطلب الشيء وعكسه.
كاتب لبناني
ان ما ينشر من اخبار ومقالات لا تعبر عن راي الموقع انما عن رأي كاتبها