د. فدوى عبد الساتر
إعلامية وباحثة في الشؤون السياسية
منذ اتفاقية العار كامب دايفيد أول معاهدة خنوع وذل بين مصر والكيان الصهيوني عام ٧٩ لم يشهد العالم العربي -باستثناء فلسطين ولبنان- تحركات شعبية مناهضة او مقاومة لحكامها رافضة للتطبيع أو لنفس أن يجري اتفاق مع الصهاينة سوى عملية الضابط في الجيش المصري خالد الاسلامبولي الذي نفذ حكم العدالة باغتياله الرئيس الخائن أنور السادات عام ٨١.
وبمعزل عن انتماء الاسلامبولي الحركي او السياسي حينها حتى لا ندخل بجدلية سياسة الإخوان المتأسلمين فهناك من كان يعارض منهم التطبيع مع اليهود او يحرّم القتال بين المسلمين او بتكفير من يقول بالشهادتين كسيد قطب وحسن البنا ما أدى إلى نبذهم بحجة أنهم رضخوا تحت التعذيب والمعاناة في سجون عبدالناصر وأدلوا بما يعتبر كفر في مبادئهم..
ولنعد الى موضوعنا..وحتى لو لم تغير عملية الاغتيال تلك في واقع المعاهدة لكن بقيت رمزية فعل الرفض الذي هو مبدء من مبادئ التحرر ومقارعة المحتل ورفض الذل والخنوع وهذه العناوين انما تدخل في لا وعي الشعوب وتحركها في كل مناسبة خيانة إذ لا يمكن أن يتحقق فعل الرفض لدى اي من شعوب المنطقة حين يجتاح الصمت مجتمعنا العربي والإسلامي وهذا الصمت إما عن عدم قدرة على المواجهة وإما عن عدم اكتراث بما يجري وهنا الطامة الكبرى.
الحالة الأولى لا تعفي الأحرار والشرفاء من هذه الأمة من المسؤولية أمام الأجيال القادمة حيث أن صمتهم سيؤسس لخنوع وتهاون فيما بعد، ويمكن أن نأخذ مصداقا لذلك الفعل الرافض لمعاهدة كامب دايفيد رغم أنها لم تسفر عن نتائج تفضي الى الغائها إنما تركت ارثا في لا وعي الشعب المصري بحالة رفض لمبدأ التطبيع مع العدو يتحرك في وجدان الأحرار منهم من وقت لآخر.
بعد مصر تحركت عجلة الاتفاقات بين معلنة وسرية دون ان تلقى الأخيرة أي ردود فعل شعبية حين انكشافها لماذا؟ لأن النموذج الثاني للخيانة الذي سجله التاريخ بين الأردن والكيان الصهيوني عام ٩٤ وهو اتفاق وادي عربة الذي لم يعكره إلا عملية الجندي أحمد الدقامسة عام ٩٧ ولم يُسجَّل عليه اي معارضة شعبية تُذكر لذا لم نشاهد اي حركة مقاومة او تأييد لمقاومة الإحتلال الصهيوني في الأردن او حتى دعوات لمقاطعة التطبيع مع العدو طيلة عقود وهذا لا ينفي وجود نسبة ولو قليلة ممن يحملون بذرة المقاومة من اجدادهم الذين تجندوا مع القوات العربية المسلحة ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين عام ٤٨ وهو ما ترجمه صاحب عملية الكرامة على معبر اللنبي منذ أشهر على الحدود الأردنية وأيضا الجنديين الأردنيين اللذين تسللا الى داخل كيان العدو في فلسطين المحتلة ونفذا عملية استشهادية لن تتردد اصداءها في الداخل الأردني على المستوى الشعبي بالمستوى الذي يرقى إلى حالة انتفاضة على الإتفاق لايقاف مفاعيله او الانخراط شعبيا في تحركات مناصرة للشعب الفلسطيني ولغزة بالخصوص تمارس ضغوطا على الحكومة في منعها من التصدي للصواريخ القادمة لضرب الكيان بالحد الأدنى إذا لم تتمكن من المشاركة في ضرب مثل تلك الصواريخ بدلا من التساقط فوق رؤوسهم حماية للكيان الصهيوني.
الملاحظ أن الاستنكار على فعل الخيانة والرد كان يتم من قبل المؤسسة العسكرية وليس الشعبية كما في حالة الاسلاميولي وهو ضابط عسكري والدقامسة وهو جندي وهو ما يفسر انحسار روح المقاومة وعدم امتدادها إلى الشعب على عكس ما حصل في اجتياح لهيب الربيع العربي لمعظم شعوب المنطقة من الشرارة التي اشعلها التونسي محمد البوعزيزي أواخر ٢٠١٠ رفضا للفساد وليس للتطبيع أو الاحتلال وهنا نستدل على أن فعل الصمت الذي مارسته الشعوب اتجاه قضايا تمس روح وجودها أكثر من الفساد الذي تمارسه حكوماتها يقف وراء ما نحن عليه اليوم من موت سريري للأمة جمعاء لن يعيد الحياة إليها سوى سيف علي ابن أبي طالب الذي سيعمل مجددا في رقابهم آخر الزمان.
أما إتفاق الخيانة أوسلو وسلسلته الاستسلامية منذ عام ٩٣ بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني والتي لم تفضي إلا إلى تنازلات وقضم لمساحات كبيرة من أرض فلسطين وضياع لحقوق أهلها مقابل الحصول على سلطة لا تتمتع بأي حكم ذاتي واستقلالية على مساحة تبلغ خمس مساحة فلسطين او ربما أقل وهي لو لم يراد لها أن تكون ذراعا للكيان في ضرب المقاومة والانتفاضة الشعبية لما أبصرت النور، وهي المهمة التي مارستها منذ عقود في مواجهة المقاومين وزرع الجواسيس بينهم وملاحقتهم واستهدافهم بالقتل او تسليمهم لسلطة الاحتلال الصهيوني، ولأنهم أصحاب الأرض المغتصبة والحقوق المنهوبة والقلوب المفجوعة والمكسورة منذ ٧٥ عاما وأكثر تتجدد انتفاضتهم عاما بعد عام لا تخمدها خيانات الأعراب ولا صمت الأمة القاتل.