هآرتس: تسفي برئيل
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها إيران في المنطقة، يبرز تساؤل عن استراتيجية طهران لإعادة تعزيز مكانتها الإقليمية بعد الخسائر المتعددة التي تعرضت لها، خصوصًا في سوريا ولبنان. مرشد إيران علي خامنئي قدّم رؤيته حول سوريا ما بعد الأسد، معتبراً أن الوضع في سوريا يفتح فرصة لخلق تحالفات جديدة ضد "الفوضى" في المنطقة. لكن تصريحات المسؤولين السوريين الجدد، بما في ذلك التهديدات لطهران بعد انتقاداتها، تشير إلى تراجع الدور الإيراني في دمشق.
إيران التي دعمت الأسد طوال سنوات الحرب الأهلية، تجد نفسها الآن في مواجهة ضغوط اقتصادية ودبلوماسية، أبرزها مطالب سوريا بتعويضات ضخمة تتراوح بين 300 مليار دولار نتيجة لتدمير الحرب، بالإضافة إلى ديون طهران البالغة 30-50 مليار دولار نتيجة لخطوط الائتمان التي وفرتها لنظام الأسد. هذه الضغوط تجعل إيران مضطرة لإعادة التفكير في استراتيجيتها في المنطقة.
العراق كمعقل استراتيجي:
في ظل فقدان إيران لبعض نفوذها في سوريا ولبنان، تحولت العراق إلى المعقل الاستراتيجي الأكثر أهمية لها. رغم الضغوط الأمريكية لحل المليشيات الشيعية المؤيدة لإيران، فإن الوضع السياسي في العراق معقد، حيث تعتبر هذه المليشيات جزءًا أساسيًا من النظام العراقي، مما يصعب أي خطوات لنزع سلاحها أو تقليص نفوذها.
التحولات في العلاقات الإقليمية والدولية:
إيران حققت بعض الانتصارات الاستراتيجية على الصعيد الدولي، مثل استئناف العلاقات مع الإمارات والسعودية، وكذلك الانضمام إلى "بريكس" ومنظمة التجارة في شنغهاي. كما أدت مشاركتها في الحرب الأوكرانية من خلال تزويد روسيا بالصواريخ والطائرات المسيرة إلى تعزيز مكانتها كقوة إقليمية في "محور الشر" الذي يضم روسيا والصين وكوريا الشمالية.
تنافس مع تركيا:
ومع ذلك، تواجه إيران تحديًا كبيرًا في علاقتها مع تركيا، التي تعزز نفوذها في سوريا بعد تدخلها السريع واحتضانها للنظام السوري الجديد. تركيا، التي تسعى لتقوية علاقاتها مع الدول العربية وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، باتت تلعب دورًا محوريًا في دمشق، مما يضعف مكانة إيران بشكل كبير.
تواجه إيران وروسيا معًا تحديات كبيرة في الشرق الأوسط، خصوصًا بعد التطورات الأخيرة في سوريا. رغم أن روسيا تحتفظ بمكانة أقوى في سوريا من إيران، فإنها أيضاً تجد نفسها في موقف صعب، حيث تتعرض قواعدها في حميميم وميناء طرطوس للتهديد. هذا التصعيد يطرح تساؤلات حول مدى تأثير هذه التطورات على علاقات البلدين، التي تبدو من الخارج متينة ولكنها تشوبها الكثير من الشكوك.
التوترات بين إيران وروسيا:
عند النظر في العلاقات بين إيران وروسيا، يظهر أن التعاون بينهما لا يخلو من الخلافات. من أبرز الأمثلة على ذلك، أن روسيا لم تلتزم بوعدها بتزويد إيران بطائرات قتالية من طراز "سو-35"، وهو ما أزعج طهران التي كانت تأمل في تعزيز قدراتها العسكرية عبر هذه الصفقة. بالإضافة إلى ذلك، وقعت روسيا في تموز 2023 بيانًا مع دول الخليج يرفض سيادة إيران على الجزر الثلاث في الخليج، وهو ما يعد انتصارًا للإمارات على حساب طهران.
كما أن طهران غضبت بشدة عندما سمحت روسيا للطيران الصهيوني بالعمل ضد أهداف إيرانية في سوريا. وقد تزايدت هذه التوترات بعد أن انتقد الرئيس الروسي بوتين الجيش السوري والمليشيات المؤيدة لإيران في عام 2016. هذه الانتقادات جاءت بعد طلب إيران لمساعدة روسيا لإخلاء 4,000 جندي إيراني من سوريا، وهو ما اعتبرته طهران إهانة لوجودها العسكري في البلاد.
الأزمة الاقتصادية الإيرانية:
إلى جانب التوترات الخارجية، تعاني إيران أيضًا من أزمة اقتصادية خانقة، حيث أظهرت الإحصائيات تراجعًا في النمو الاقتصادي بنسبة 2.9%، وهو ما يعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد الإيراني. هذه الأزمة الاقتصادية تجذب الانتقادات الداخلية، حيث يتساءل المسؤولون عن اختفاء كميات ضخمة من البنزين والموارد الأساسية الأخرى. في هذا السياق، جاء الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ليعلن عن خطط لتخفيف الأزمة الاقتصادية، بما في ذلك المفاوضات مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
علاقات مع الدول العربية:
إيران تواجه تحديات إضافية مع جيرانها، خصوصًا تركيا، التي نمت علاقاتها مع سوريا بعد التحولات السياسية الأخيرة. هذا التنافس بين إيران وتركيا في سوريا يعكس التغيرات في موازين القوى في المنطقة ويعزز من شعور طهران بأنها قد تتراجع إلى دور الوكيل بدلاً من الشريك الاستراتيجي، خاصة في ظل توجيه العديد من الدول العربية بما فيها دول الخليج ضد إيران.
المستقبل:
يبدو أن إيران وروسيا ستستمران في التعاون في مجالات معينة، مثل النفط والغاز، ولكن مع تزايد التوترات الداخلية والخارجية، قد يتعين على طهران إعادة التفكير في استراتيجيتها الإقليمية. إذا استمرت الضغوط على إيران من الداخل والخارج، فإن استقرارها سيكون مهددًا، وستكون علاقاتها مع روسيا واحدة من عدة ملفات يجب معالجتها في إطار استراتيجيتها الجديدة.