سوزان خليل - إعلامية
في زاوية هادئة من حارة حريك، كان هناك محل صغير لخياطة الملابس تديره أنثى طيبة القلب اسمها أمال. لم يكن محل أمال كأي محل آخر، ففيه لم تكن تجد فقط رائحة الأقمشة الزكية، بل شعوراً بالهدوء والطمأنينة يلف المكان.
كانت أمال تحيك ثيابها بيديها الرقيقتين، وبعيونها اللامعة بالحب، فكل قطعة قماش تلامس إبرتها تحمل بين طياتها قصة وروحاً.
كان الناس يأتون إلى محل أمال ليسوا فقط لطلب خياطة ثيابهم، بل ليجلسوا معها لساعات طويلة يستمعون إلى حكاياتها المليئة بالحكمة والطيبة. كانت أمال تستمع إليهم بانتباه، وتقدم لهم النصيحة الحكيمة، فسرعان ما أصبح مكاناً يجتمع فيه الناس للتسامر والراحة.
ولكن ما كان يميز محل أمال أكثر من أي مكان آخر، هو ذلك الشعور بالانسجام والسكينة الذي كان يعم المكان. كان الناس يشعرون وكأنهم في بيت من بيوتهم، وكأنهم عائلة واحدة تجمعهم المحبة والاحترام.
ومع مرور الوقت، بدأ الناس يتساءلون عن سر هذا الأنس والراحة. أنا واحدة منهم، فبالرغم من عملي الإعلامي وضيق وقتي، كنت أشعر برغبة قوية لزيارة أمال، حتى لو لم يكن لديَّ ثياب في محلها. ولم أجد تفسيراً منطقياً لجلوسي لديها بعد تعب يوم طويل في عملي الإعلامي سوى حالة الهدوء التي كانت تسيطر عليَّ هناك... طاقة إيجابية كانت تسكن محل أمال، كنت أسأل دائماً ما سر هذا الأنس في محلها الذي يشعر به كل من يجلس لديها. زبائن أمال يقصدونها من كافة المناطق، ومن مختلف الطوائف والوظائف.
كنت أسأل أمال عن سر المكان فكانت تجيبني: "سوزان، ليس هناك أي سر. أنا أحب الناس، وأحب عملي، وأحب هذا المكان. وعندما تعملين بشغف وحب، فإن هذا الحب ينتقل إلى كل من حولك".
اليوم سأخبركم عن هذا السر الذي لم نكن نعلمه. لم نكن نعلم أن "سيد الروح" يسكن بالقرب من محل أمال بل في الشارع ذاته، لم نكن نعلم أن طيفه ملاصق لنا وأنه يتجول بالقرب منا. نعم أنه هو الحب الأقوى قوة في الكون، الذي كان يسكنه وهو من جعل حياتنا جميلة وكان مصدراً لسعادتنا والطمأنينة التي كانت ترافقنا.
اليوم، أطلقت على محل أمال اسم "سيد الروح"، هو سيدنا وحبيب قلوبنا وهو يسكن أرواحنا أينما نكون...
ليتني كنت أعلم أنك جار أمال حتى كنت لا أغادر محلها وأنام على رصيفها... ليتني كنت أعلم أنك بالقرب من محلها حتى كنت أعبيء قوارير عطر من تراب هذا الشارع... يا سيدي وأنت سيد الروح نفتقدك ولكنني سأزور أمال يومياً كي أتنشق هواء روحك من هناك...
سوزان خليل - إعلامية