سوريا
أيهم مرعي
الجمعة 15 تشرين الثاني 2024
الحسكة | عادت تركيا إلى التلويح بشنّ عملية عسكرية برية في شمال سوريا، بعد خمسة أعوام من اكتفائها بالغارات الجوية والقصف المدفعي على مواقع «قسد». وطوال هذه المدّة، لم تأذن الولايات المتحدة، كما روسيا، لتركيا بشن عملية من هذا النوع، فيما ساد الفتور العلاقات التركية - الأميركية في عهد الرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن، علماً أن الأخير لم يدعُ نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، إلى زيارة واشنطن، خلال السنوات الأربع التي أمضاها في البيت الأبيض، مخالفاً بذلك «بروتوكولاً» ظلّ معمولاً به إلى ما قبل مجيء الإدارة الديموقراطية الأخيرة.
وفي موازاة ذلك الفتور، بدت واشنطن حريصة على عدم شنّ أنقرة أيّ عمليات عسكرية جديدة في سوريا أو العراق، وهو توجّه ظهر جليّاً بعد تسلُّم بريت ماكغورك، ممثّل الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، في «التحالف الدولي لمحاربة داعش»، منصب مستشار بايدن لشؤون الشرق الأوسط. ويُعدّ ماكغورك من الشخصيات غير المحببة إلى تركيا، بسبب استقالته من منصبه السابق، على خلفية معارضته قرار دونالد ترامب، الانسحاب من سوريا. وممّا تسبّب فيه ماكغورك الذي يوصف بـ«صديق الأكراد»، تعطيل خطط أنقرة لاستكمال «الحزام الأمني» بعمق 20 إلى 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، وتحديداً المدن والبلدات التي تسيطر عليها «قسد» في شمال البلاد.
لذلك، وما إن أُعلن رسمياً فوز ترامب بالرئاسة في الولايات المتحدة، حتى بدأ الأتراك تنشيط خططهم العسكرية البرية في سوريا ضدّ «الوحدات» الكردية و«قسد». وأطلقوا، على هذه الخلفية، سيلاً من التصريحات، لتذكير الإدارة الجمهورية المقبلة، بالتزاماتها السابقة تجاه تركيا، وضرورة أن تعمل على سحب القوات الأميركية من سوريا، وفتح الطريق أمام أنقرة لوراثة المناطق التي يديرها الأكراد في الشمال السوري. وفي هذا الإطار، قال وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، إن بلاده «لا تستبعد انسحاب القوات الأميركية من سوريا والعراق»، مذكّراً «نظراءنا في الولايات المتحدة، بضرورة التوقف عن دعم الإرهابيين في سوريا». ومن جهته، أعرب الرئيس التركي عن ثقته بأن «رئاسة ترامب ستؤثّر بشكل كبير على التوازنات السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط»، لافتاً إلى أنه «سيتم التركيز في النقاشات مع ترامب، على مسألة الحزام الأمني، والانسحاب الأميركي من سوريا». وممّا قاله أيضاً: «(إنّنا) أَحبطنا بشكل كبير محاولة تطويق بلادنا من حدودها الجنوبية بالعمليات التي نفذناها والمناطق الآمنة التي أنشأناها»، مضيفاً: «نأمل في أن نُكمل في المدة المقبلة الحلقات المفقودة للمنطقة الآمنة التي أنشأناها على طول الحدود». ثم أكد، في تصريح لاحق، أن «تركيا ستشنّ عملية عسكرية جديدة على حدودها مع سوريا والعراق»، من دون تحديد وقت محدد لها. ومن جهتها، أشارت وزارة الدفاع التركية إلى «الولايات المتحدة سبق أن قرّرت الانسحاب من سوريا، لكن ذلك لم يتحقّق فعلياً»، مضيفة أنه «يجب النظر إلى الأفعال وليس الأقوال».
أطلق المسؤولون الأتراك سيلاً من التصريحات، لتذكير الإدارة الجمهورية المقبلة، بضرورة العمل على سحب القوات الأميركية من سوريا
ويتضح ممّا تقدّم، أن أنقرة بدأت فعليّاً تمارس ضغطاً سياسياً وإعلامياً كبيراً على الأميركيين، من أجل العودة إلى سيناريو العمليات البرية ضد «قسد» في سوريا، وذلك باستغلال الظروف الإقليمية، والحربَين اللتين تشنّهما إسرائيل على قطاع غزة ولبنان، فضلاً عن المدة الانتقالية بين ولايتَي الرئيسَين بايدن وترامب. وعلى المقلب الآخر، ساد التوجس والخوف لدى «الإدارة الذاتية» و«قسد»، التي سارعت إلى إطلاق «حملة الأمن الدائم» في مخيم الهول ضد خلايا «داعش»، بهدف تذكير الإدارة الأميركية باستمرار خطر التنظيم، وصعوبة إتمام مهمّة حماية السجون والمخيمات في حال حصل أيّ انسحاب أميركي مفاجئ من المنطقة. ولعلّ أكثر ما أثار قلق الأكراد، تصريح السياسي الأميركي، روبرت كيندي الإبن، عن أن «ترامب أخبرني بأنه سيسحب القوات الأميركية من سوريا». على أن تجربة الأكراد لم تكن جيدة إبان عهدة ترامب الأولى، إذا ما جرى قياسها بفترتَي الرئيسَين الديموقراطيَين، أوباما وبايدن، وأيضاً بسبب عدم ممانعة الرئيس الجمهوري عمليتَي «غصن الزيتون» عام 2018، و«نبع السلام» في العام التالي.
ومع ذلك، حاولت «قسد» التودّد إلى الإدارة الجديدة قبل تقلدّها مهمّاتها، إذ هنّأ قائدها العام، مظلوم عبدي، ترامب، مؤكداً استعداده لتعزيز الشراكة معه. ووفقاً لمصادر مطلعة تحدثت إلى «الأخبار»، فإن «الأكراد يدركون أن مدة ولاية ترامب الجديدة ستشكّل خطراً جديداً عليهم بعد تجربتَي عفرين وتل أبيض ورأس العين». وتلفت المصادر إلى أن «الأكراد يخشون من سيناريو أن تعمل أميركا على توريث مناطق نفوذها إلى تركيا، إمّا بالانسحاب الكامل من سوريا أو السماح بعمليات عسكرية تدريجية ضدهم». وترى أن «قسد قد تلجأ إلى التذكير بخيار السجون والمخيمات التي تحوي عناصر داعش وعائلاتهم، وما يشكله هؤلاء من تهديد للأمن الإقليمي والدولي، للضغط على إدارة ترامب»، مرجّحة أن «تعمل أيضاً على تحسين علاقتها مع روسيا ودمشق للجوء إليهما في حال ظهرت أيّ بوادر لانسحاب أميركي، كما حصل في عام 2019 بعد قرار ترامب الانسحاب الكامل، قبل التراجع عن ذلك والإبقاء على قوات في محيط آبار النفط والغاز».