حمزة العطار
بركات السابع من تشرين أعطت ثمارها منذ ما قبل هذا التاريخ ولا تزال تعطي، منتجة معها معادلات وموازين غيّرت مساراً بل مسارات وحتمت ابراز قوى كانت حتى الأمس القريب طي التغييب، فألغت معها احتكار بعض الهيمنات التي كانت طاغية في المنطقة، متعدية حدودها، لتعطي طابع القوة الأحادية الوحيدة في المنطقة، مبرزة نسف هذه النظريات، مؤكدة ولادة شرق أوسط جديد تمنته كوندوليزا رايس عام ٢٠٠٦ فكان لها ما أرادت، مع فارق التوجه والارادة والرغبة الأميركية التي أرادتها وزيرة الخارجية الأميركية التي كانت حينها، فما هي هذه الموازين وما هي خرائط طريقها، وهل جاءت بناءاً لمخططات عُمل عليها لكثير من الوقت بغية تحويل المنطقة وتطويعها كما أرادت أميركا ومن يدور في فلكها ؟
حدث السابع من تشرين وما قبله وما تلاه، لم يكن بالأمر العادي ولن يكون بعد الان، فقد تم توجيه الصفعة الأقسى لإسرائيل ومن يؤيدها، صفعة وضعت بداية النهاية في طريق أُسّس وعُمل عليه وسعت إليه قوى متعددة تُسمى اليوم دول المحور، أو محور المقاومة، وهو الثمار الكبير الذي دُفع من أجله كثير من دماء أركان ورجالات هذا المحور إيماناً منه بتغيير لجغرافيا وربما ديموغرافية المنطقة برمتها، وكان لهم ما أرادوا والاتي أكبر وأعظم .
لم تذهب دماء الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس، قبلها دماء الرنتيسي والشقاقي والشيخ أحمد ياسين، لتسبقها قبلاً دماء السيد عباس الموسوي وما سال من دماء زكية ما توقفت يوماً دون جدوى، بل كانت تصب في مسارها الطبيعي لتروي ذلك الزرع الذي بدأ بنثر بذوره الامام روح الله الموسوي الخميني، ويحين قطاف تلك الثمار اليوم لنشهد تبدلات وتحولات شهدتها وتشهدها جغرافيا الشرق الاوسط مؤثرة على العالم كله تأثيراً واضحاً لا لُبس بنتائجه .
الامتداد المستمر لحركات محور المقاومة والتي تنوعت بأشكالها وجغرافيتها، ولّدت محوراً أثبت للعالم كله صوابية توجهه ونبل أهدافه، وبيّن نتاج أعماله في كل يوم ومع كل حدث، ولم يكن طوفان الأقصى بأحداثه وبطولاته، إلا حلقة من سلسلة امتدت معلنة للعالم أجمع، أن هذا الشرق الأوسط الجديد قد ولد حقاً، شرقنا الأوسط الجديد الذي أردناه بكل التسديدات والانتصارات التي نشهدها في غير جبهة ولا نزال، لا شرق أوسط كوندوليزا رايس الذي أرادته وأرادوه، ضعيفاً خانعاً يحتاج الى المدبر والشرطي والحاكم على شاكلتهم ومن لبوسهم وأبناء جلدتهم حتى يتسنى لهم السيطرة عليه الى حين .
بركات الطوفان أتت معلنة تحالفاً خَبِر الصعاب وعانى الكثير حتى بات قوياً مقتدراً يرغم الاسرائيلي وراعيه الأميركي على السير كيفما أراد وأين يشاء وما يحصل اليوم من ترقب عالمي غير مسبوق واستعدادات دولية لمحاولة الدفاع عن هذا الكيان حال الرد القادم والحتمي، ومحاولات التواصل من كل حدب وصوب لإستجداء رد يكون غير مؤذٍ، سوى تجلٍ واضح لعظمة هذا المحور ومعرفة الجميع بقوته واقتداره على إلحاق الخسائر الفادحة إن لم نقل وضع هذا الكيان في خانة المنتهين وجودياً من خارطة الكون، وصدقوني لا أبالغ وتجربة الرد الايراني على ضرب القنصلية الايرانية في دمشق لم يكن الا تصوراً صغيراً لما هو آتٍ لاحقاً، مبرزاً ضعف ذلك الكيان الذي لطالما تغنى بقوته أمام رد ايراني استدعى دفاعاً عنه من دول كثيرة لولا أن تدخلت لحمايته لكانت كارثة كبرى بل أم الكوارث على ذلك الكيان .
الخلاصة والعبرة، وتذكروا كلامي جيداً، هناك قوة ولدت في المنطقة لن تعرف الهزيمة أو الانكسار وهي القوة التي ستحكم المنطقة برمتها وستشارك في حكم العالم، ملغية مع كل شرفاء هذا العالم، أحادية حكم واستبداد وتفرد عاشته الولايات المتحدة لعقود خلت، ليتمكن هذا المحور من إعادة بعض التوازن الذي سُلب بشيطنات وقرصنة أميركية، زرعت من خلالها هذا الكيان الهجين في المنطقة، بالتعاون مع امبراطوريات أخرى .
شرق أوسط جديد كما أراده شرفاء المنطقة يولد أردناه يوماً ودوماً لا كما أرادوه . أحداث وأفعال ومواقف ستثبت صحة هذا التصور الذي لم يعد حلماً بل بات قريباً وأقرب مما تظنون .
وإنّ غداً لناظره قريب ..
حمزة العطار